عرض مشاركة واحدة
قديم 06-11-2009, 12:12 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
مؤرخ
إحصائية العضو







ابن شمسي غير متواجد حالياً


افتراضي

ـ 8 ـ


26 ـ قال الكاتبُ: [إن شهرة هذه البطون وبكر عموماً جعلت قبائل ربعية كبيرة تنتسب لها كضبيعة وعبد القيس. يقول ابن عبد ربه: "والرجل من عبد القيس ينسب شيبانياً وجَرْمِياً وبَكْرياً"] ص34

هذا الموضعُ أشدُّ مواضعِ الكتابِ سواداً: لقُصُورِ الفهمِ وسوءِ القراءةِ والعَبَثِ بالنُّصوصِ ومُجَانبةِ الأمانةِ العلميةِ:

1 ـ فأبدأ بعَرْضِ نَصِّ ابنِ عبدِ رَبِّه كاملاً. يقولُ في تَفْسيرِ مَعْنَى (الجُمْجُمَة) في الأنسابِ:

"قيل للجماجم: جماجم لأنها يَتفرع من كلِّ واحدةٍ منها قبائلُ اكتفَتْ بأسمائِها دون الانتسابِ إليها، فصارَتْ كأنها جسدٌ قائمٌ وكلُّ عُضْوٍ منها مُكْتَفٍ باسمه مَعْروفٌ بمَوْضعه.
والجماجمُ ثمانٍ‏:‏ فاثنتان منها في اليَمن واثنتان في رَبيعة وَأَرْبع في مُضرَ‏.‏..
واللتان في رَبيعة‏:‏ بكر بن وائل وعبدُ القَيْس بن أَفْصَى...
أَلا تَرَى أَنَّ بكراً وتَغْلِب ابني وائل قبيلتان مُتكافِئتان في القَدْر والعَدَد، فلم يَكُنْ في تَغْلِب رجالٌ شُهِرَت أسماؤُهم حتى انتُسِب إليهم واستجزئ بهم عن تَغْلِب؛ فإذا سألْتَ الرَّجلَ من بني تَغْلب لَمْ يَسْتَجْزِئ حتى يقول: تَغْلَبي‏.‏ ولبكرٍ رجالٌ قد اشتَهرتْ أسماؤُهم حتى كانت مثلَ بكرٍ؛ فمنها: شيبانُ، وعِجْلٌ، ويشْكُرُ، وقَيْسٌ، وحنيفةُ، وذُهْلٌ.
ومثلُ ذلك: عبدُ القَيْس؛ ألا ترى أنَّ عَنَزةَ فوقها في النَّسَبِ ـ ليس بينها وبين رَبيعة إلا أَبٌ واحد عَنَزةُ بنُ أسد بن ربيعة ـ فلا يَسْتَجْزِئُ الرَّجلُ منهم إذا سُئِلَ أنْ يقولَ: عَنَزِيّ، والرَّجلُ من عبدِ القَيْس يُنْسَب: شيبانياً، وجَرْمِيَّاً، وبَكْريَّاً‏".

2 ـ فالذي في نَصِّ ابنِ عبدِ رَبِّه أنَّ في ربيعةَ جُمْجُمتين: بكرَ بن وائلٍ وعبدَ القيس بن أفصى، وأنَّ هاتينِ القبيلتينِ ـ مِن كَثْرةِ عَدِيدِها وتَشَعُّبِ بطونِها وشُهْرةِ رجالِها ـ يُنْسَبُ الرَّجلُ من إحداهما إلى اسمِها الأكبرِ فيُعْرَفَ ويُنْسَبُ إلى بطونِها الأدنى فيُعْرَفَ. والنَّصُّ بعدُ واضحٌ جَلِيٌّ.

3 ـ فما الذي صَنَعَ الكاتبُ؟! جاء إلى النَّصِّ فرَمَاهُ كلَّه دَبْرَ أُذْنِه واقتطَعَ منه جُمْلةً في آخرِه بَنَى عليها صَرْحاً من أوهامٍ! فأصبَحَتْ عبدُ القيس ـ الجُمْجُمةُ ذاتُ البطونِ الشَّهيرةِ ـ تابعاً صغيراً يَنْتسبُ لبكرِ بنِ وائلٍ!!

4 ـ وهذه الجُمْلةُ التي اقتطَعَها الكاتبُ وقع فيها تَصْحيفٌ شنيعٌ، ولا يُعْذَرُ الكاتبُ على هذا؛ لأنَّ سياقَ النَّصِّ من أوَّلِه إلى آخرِه شاهدٌ على تَصْحيفِه. وهذا بيانُ ذلك:

يقولُ ابنُ عبدِ رَبِّه: بكرُ بنُ وائلٍ يُنْسبُ إليها فيُقالُ: البكريّ، ويُنْسَبُ إلى بطونِها فيُقالُ: الشَّيبانيّ والعِجْليّ واليَشْكُريّ والقَيْسيّ والحَنَفِيّ والذُّهْلِيّ. فهذا كلامٌ صحيحٌ مُسْتقيمٌ على مَعْنى الجُمْجُمة.

وأمَّا عبدُ القيس فيُنْسَبُ إليها فيُقالُ: العَبْدِيّ أو العَبْقَسِيّ، ويُنْسَبُ إلى بطونِها فيُقالُ: الشَّيبانيّ والجَرْمِيّ والبَكْرِيّ. فهل هذا كلامٌ يَسْتقيمُ على مَعْنى الجُمْجُمة؟! هل في بطونِ عبدِ القيس: شيبان وجرم وبكر؟! هل يَصِحُّ أنْ تكونَ (البكري) نسبةً إلى بكر بن وائلٍ في حين أنَّ النَّصَّ يقولُ: إنَّ عبد القيس جُمْجُمةٌ كبكر بن وائلٍ؟!

5 ـ والقراءةُ الصَّحيحةُ للنَّصِّ تكونُ هكذا: (والرَّجلُ من عبدِ القيس يُنْسَبُ: شَنِّياً وجُذَمِيَّاً ونُكْرِيَّاً)، شَنِّياً: نسبةً إلى شَنِّ بنِ أفصى بنِ عبدِ القيسِ كالأعْوَرِ الشَّنِّيِّ، وجُذَمِيَّاً: نسبةً إلى جَذِيمةَ بنِ عوف بنِ أنمارِ بنِ عمرو بنِ وديعة بنِ لُكَيْز بنِ أفصى بنِ عبد القيس كالمنذرِ بنِ الجارودِ الجُذَمِيِّ، ونُكْرِيَّاً: نسبةً إلى نُكْرةَ بنِ لُكَيْز بن أفصى بنِ عبد القيس كالمُفَضَّلِ النُّكْرِيِّ الشَّاعرِ.

وعلى هذه القراءةِ تكونُ هذه الجُمْلةُ مُتَساوِقةً مع مَعْنى النَّصِّ ومع تَفْسيرِ الجُمْجُمةِ؛ فالشَّنِّيُّ والجُذَمِيُّ والنُّكْرِيُّ يَجْتَزِئُ بنِسْبتِه إلى بَطْنِه هذا عن الانتسابِ إلى القبيلةِ الكبرى: عبدِ القيس.

6 ـ وأجْزِمُ أنَّ مُنَّةَ الكاتبِ هي أضْعَفُ من أنْ تَحْمِلَهُ على تَصْحيحِ تَصْحيفٍ! غيرَ أنَّ اقتطاعَ النُّصوصِ من سياقاتِها للاستدلالِ بها على ما يُناقِضُ سياقَ النَّصِّ نَفْسِه لَدليلٌ على هَوَى متحِّكمٍ وفكرةٍ مُسْبقةٍ يَحْشُدُ لها الكاتبُ أضْغاثَ الأدلَّةِ!

ـ يتبع إن شاء الله ـ