تابع مدونات قطوف الأزهار
ومن قصص الفارس مسلط الرعوجي كان هناك رجل يدعى جريس من أحد القبائل المعادية لقبيلة مسلط الرعوجي وكان جريس رجل شجاع ومغامر وله زوجه حكيمة ومدركة فنصحته عن أخذ الناقة التي عليها دلال حيث أن صاحبها يفادي دونها وكانوا البادية يضعون على الناقة الغالية من نوادر الإبل ريش نعام ويسمونها أم دويك وهذا دليل على علو منزلة هذه الناقة عند صاحبها وفي أحد غزوات جريس قالت له زوجته هذه الأبيات تنصحه وتحذره عن أخذ تلك الناقة المشار إليها فتقول :
يا جريس لا تغريك بالنوق الأطماع *** ولا تاخـذ أم دويك لـو هي وحدها
يـأتـيـك راعـيـهـا مـن الـنـزل فـّزاع *** حـلـيـل بـنـت تـــو زمـة نـهــدهــا
يـأتـيـك فـوق مـشمـرٍ وقـم الأربـاع *** خـطـراً عـلى غـوجك تخمه بيدهـا
بالجـنـب مـصقـول وبـالكـف لـمـاع *** يقـطع ظماك وهي بحامي جهدهـا
وقالت زوجة جريس أيضاً من قصيدة أخرى تنصحه :
يا جـريس غـوجـك كن حـدرا تـتـلـه *** تـراه يكبي بـك اليـا نشف الريـق
يـجـيـك شـغـمـوم يـراعـي لـضـلـــه *** من صلب لابه للمراجل عشاشيق
ثم أن جريس لم يأخذ كلام زوجته في محمل الجد وفي أحد غزوات قومه أغاروا على إبل جماعة الرعوجي وساقوا ما حصلوا عليه من الأبل وما كان من جريس ألا أن شذ عن قومه وذهب لإبل لم يغيروا عليها قومه وكانت أبل مسلط الرعوجي وهو مرافق معها لحمايتها فشاهد جريس الناقة التي وصفتها زوجته فساقها أمامه وذهب بها فلحقه مسلط ونصحه أن يخلي سبيل الناقة ولكنه لم يقبل النصيحة فبرز جريس لمسلط وقال يمدح حصانه ويهدد مسلط بقوله :
الغـوج مـن در العـرابـا مـسـاقـيـه *** ولـو تـبـيّـن خـشـم صـارة طمـرهـا
نبغـي عـليـه الـذود نـأخـذ نـواديـه *** مـع ضـف شيـخ للـمتـلـي قـهـرهـا
فقال مسلط مجاوباً جريس :
الـذود دونـه صـاحبـه سـارح فـيـه *** شغمـوم يرعى فاطره عن خطرهـا
مستجـنب مثـل الوضيحي تـبـاريـه *** عـريـانـة السـاقـيـن فـتـرٍ ظهـرهـا
تركض عـلى جـنب وجـنـب أداريـه *** وتعـطي لمذلوق العـريني نحـرهـا
مضرابها بالقاع تسقي الرسل فيـه *** وتشـدا حتـاتيـل القصيمة حـفـرهـا
اليا جاه خطـو الغـوج رده براعيـه *** شلفـاه مـن بيـن الأبـاهـر سمـرهـا
ثـم أن الرعوجي حمل على جريس فطعن حصانه وقـتلـه ولم يطعن جريس فتشطر الرعوجي عنه هناك ليسمع ما يقول جريس فوقف جريس
عند جثة الحصان وقال يتوجد عليه :
لـوا حصانـي بـجـل ذودي شريتـه *** عند الرعوجي رش به مرتع القود
لـو الرعـوجي يـوم جـاني نخـيتـه *** كان السنافي بوردته ينهض العـود
ثم منع الرعوجي جريس أي أسره فضحك جريس فقال الرعوجي ماذا يضحكك وأنت في هذا الوضع فأخبره بما قالت له زوجته تنصحه وأخبره بالأبيات فأطلقه الرعوجي وأعطاه حصان له وجمل لزوجته جمل 0
(بحث في قصة وقصيدة)
من القصص والقصائد التي اختلفت الرواة بنسبتها هذه القصة والقصيدة فقد نسبت لعدة رجال ولم يجد الباحث اليقين القاطع لينسب القصيدة والقصة لصاحبها الحقيقي وقد أخذت بأرجح الروايات مع التنويه عن أقوال الرواة وهذه القصيدة أوردها خالد الحاتم في مؤلفه خيار ما يلتقط من شعـر النبط ونسبها للشيخ مشعان بن مغيلث الهذال ونسبها غيره ممن كتب هذه القصيدة للشيخ مشعان وكذلك معظم الرواة ينسبها للشيخ مشعان ولكن رواة الحبلان يقولون أن هذه القصيدة للشاعـر سميحان بن حويكم بن سحيم الحبلاني وبعض الرواة ينسبها للفارس مسلط بن فالح ابن عدينان الملقب (الرعوجي) وحيث أن هذه القصيدة لها قصة تتناقلها الرواة في المجالس ومفادها أن صاحب هذه القصيدة أراد والده أن يزوجه فقال له أختر من بنات الحمائل من ترغب الزواج منها لكي نقوم بأجراء اللازم حيال ذلك فرفض الفتى قبول أحد من بنات الحي فغضب عليه والده وقال له ( أتريد أن ازوجك أبنت ابن فلان ) وكان الرجل الذي اسماه شيخ لأحد القبائل المعادية لقبيلة الشاب وليس بينهم صلة فما كان من الرجإلا أن عقد العزم على التخفي والذهاب إلى الشيخ المذكور لعله يحظى ببغيته فتنكر ولبس لباس الرعاة وقدم على شيخ القبيلة والد الفتاة وأدعي أنه يرغب البحث عن مصدر رزق فقال شيخ القبيلة إذا ترغب أن تكون ( حشاش ) أي تجمع الحشائش للخيل وتعلفها فرضي بذلك لكي يكون بالقرب من هذه الفتاة وبقي على هذا الحال حتى جاء في ذات ليلة من جمع الحشائش وكان قد لحق به الظمأ وأخذ منه كل مأخذ ويقال أن هذه الفتاة قد شاهدت الشاب واصبح عندها أحساس أن هذا الفتى اليافع الجميل الذي يبدوا عليه أثر العـز والشرف لا يمكن أن يكون صاحب هذه المهنة فأرادت أن تختبره فوضعـت القربـة أمام خبائها وعندما جاء يريد أن يشرب من ماء القربة رأى القربة قـرب الخباء فتراجع وقد سمع دق النجـر عند أحد جيران الشيخ ويدعى أبن مهارش فتوجه له وتقهوى وشرب ماء ثم عاد إلى بيت الشيخ وتناول الربابة وعزف عليها قصيدته المعروفة وكانت الفتاة تسمع فتأكد لها أن هذا الفتى من بيت رفيع وعندما جاء الصباح وأستيقظ والدها الشيخ سألتـه عن أوصاف الإبل والمولى الوارد ذكرهما في القصيدة فقال تلك أبل أبن هذال وذاك مولاه فقالت إذاً الفتى الذي يعمل عندك حشاش هو أبن هذال وأخبرته بالقصيدة ولكنـه لم يعير قولها اهتمام وكان يتحيّن فرصة معركة لكي يبرز شجاعتـه ويفصح عن شخصيتـه لعله يفوز بضالته وفي ذات يوم أنكبت على قوم الشيخ غارة من قبيلة أخرى فساقت الإبـل وكانت فرصة عندما لحقوا أصحاب الإبل ولم يفلحوا في فكاكها فما كان من الرجل إلا أن ركب جواد أصيل وتقلد بسيف ولحق بالقوم فقتل منهم وقلع من خيلهم ورد الإبل ثم أنـه جمع أعنـه الخيل وسروجها ووضعهن في كهف وسد عليهن بالصخور وكذلك غمس يده في دم فرس قـتلت في المعركة ثم وضع كفه على كل فرس بحيث يكون مقاس الكف من بصمة الدم شاهد له أنه هو الذي فك الإبل وقلع الخيل ثم عـاد وترك الإبل في مفلاها وكـأن لم يحصل شيء وعندما شاهد بعض رجال الحي الإبل ووجدوا الخيل اغاروا على الخيل فأخذ كل رجل منهم فرس وحضروا عند الشيخ وكل منهم يدعي أنه رد الإبل وكانت الفتاة قد ظنت أن الحشاش هو الذي ردها وعندما تعالت الأصوات وكثر الهرج والمرج تقدم الرجل وقال للشيخ أريد أن تسمح لي لأقول كلمة ؟ فقال قـل ؟ فقال ( أن الخيل لابد أن يكون لها أعنـه وسروج والذي فك الإبل وقلع الخيل من فرسانها عليه إحضار السروج والأعنة وهناك شاهد ودليل آخر وهو وجود كف من الدم على كل فرس فمن يكون له هذا الكف يا ترى ؟ فعرف الشيخ أن هذا الفتى لديه علم وقد طلب من الشيخ الذهاب معه إلى مكان وجود الأعنه والسروج ثم طلب من المدعين وضع أكفهم لمطابقة هذا الكف ولم ينطبق الا على فارس وثبت لدى الشيخ أن هذا الفتى هو الفارس المعروف وقد عظم قدره عنده وسأله عن أسباب تخفيه فشرح له قول والده وكيف أنه قال له كذا وكذا ثم زوجه ابنتـه وهكذا يقولون الرواة 0
أما الذين ينسبون القصة لسميحان بن حويكم بن سحيم فيقولون أنه كان له شأن وعنده أموال وخدم وحشم ثم مالت به الدنيا ولحقه فقر وفاقة فاشتغل في جمع الحشائش ثم قال قصيدته يتوجد على ماضيه ويتمنى الذود والصينية والمولى الوارد ذكرهم في القصيدة وهذه الرواية توجد عند رواة الحبلان فهم ينفون أن يكون مشعان قد أشتغل في جمع الحشائش علماً أن هذا العمل لا ينتقص من شأنه شي كونه لأجل غاية وقد تحققت أما الذين ينسبون هذه القصة والقصيدة للفارس مسلط الرعوجي فهم يستدلون بأن الرعوجي قد تزوج فعلاً من تلك القبيلة بالإضافة إلى كونه شاعـر وفارس وهذه القصيدة مدار الحديث كاملة بعد تلقفها من أفواه حفاظها بألإضافة إلى ما أورده خالد الحاتم وأني أرجح أن صاحب القصة والقصيدة هو مسلط بن فالح بن عدينان الرعوجي وليس مشعان ولا سميحان وهذه القصيدة الذي قالها :
كثر المنا حـّرق ضميري على ماش *** بالليل من كثـر الهواجيس مانـود
أبـي أتصبـر والظمأ يحـرق الجـاش *** ياما طواني وأيبسن يبست اقدود
المسعد اللي ما سرى الليل حشاش *** عقب الحيا يضرب على كل منقود
خـلا هـدوم القـز والجوخ واقمـاش *** ومجـالس تلـقـا بهـا الـزل ممـدود
مجـالس فـيهـا مـعـاميـل وافــراش *** وصينيـه يركض بها العبد مسعود
فـي ربـعـة يفـرح بـهـا كـل هـتـّاش *** ويزبن لهااللي من دناياه مضهود
وسـود تـلاوح بالغـنـا كـل مهبـاش *** من حمو لوح كفوفهـن صار يبّود
وقطعان تسرح عند لمات الأدبـاش *** صفـر ومغـاتـيـر ويبـرالهـن سـود
مرباعها الصمان تبعد عن الطـاش *** ومقيضها دخنـه إلى حصرم العود
وأنا على مثـل النداوي إلـى حـاش *** تنزع كما تنزع على الكـف بـارود
لمحلا وقـت الضحى قـول شوبـاش *** وقـامت تنـازى بالمناعيـر جلعـود
وثـار الكتـام وصـار للشلف هبّـاش *** والـذود قـفـا بالمساويق عـرجـود
من لا يروي شذرة السيف لا عاش *** عـليـه جـيـب مـورد الخـد مقـدود
يابن مهاوش كب حمسات الأدفاش *** مطعومها يـرث عـلى كبـدك لهـود
قـم سو فنجال ترى الراس منـداش *** ياشوق من قرنه بالأمتان مرجـود
دقـه بـنـجـر يسـمـعــه كـل طــراش *** حسه ولـو دقـيت بالهون بـه زود
وحطـه بـدلـت مـولع كنهـا الشـاش *** وإبهارهـا لا حـط مـا هـو بمعـدود
أن فـاح ريحت بنهـا وهيلها جـاش *** مـن الزباد أقنـه على شذرة العـود
كنه بعرض الصين ورس إلى ناش *** أو زعــفـران كـل مــا عـلـّـم ردود
صبه على الطيّب وعده عن اللاش *** الـلاش لا فـاقـد ولا هـو بـمـفـقـود
والمرجلة مـا كـل رجـل لهـا حـاش *** والـلي يريد الطيب ما هـو بمردود
* طريفة من طرايف مجالس الشيوخ
هذه الرواية كنت أسمعها من بعض كبار السن وحفظتها لطرافتها ودونتها في هذا الكتاب وملخص القصة يقال أنه أجتمع ذات يوم في مجلس الشيخ الحميدي بن عبدالله الهذال شيخ مشايخ عنزة عدد من الرجال الشعراء ومن ضمنهم شعراء وفرسان أمثال نومان الحسيني الضفيري وماجد الحثربي الشمري وغيره وكان الدخان يوجد في بيت الشيخ حتى أعتبر مثل القهوة وأثناء وجودهم لم يشاهدون الكيس يتوسط المجلس كما هي عادة الشيوخ آنذاك فتحدثوا بينهم بهذا الشأن فقال شاعـر من عنزة أريد أن أفتح لكم باب مجال أمام الشيخ وكل واحد منا يحضر بيت من الشعر يحدد مطلوبه لكي نلفت نظر الشيخ الحميدي لعله يأمر لنا بالدخان فقال الشاعر العنزي :
لـمحـلا الـتـتـن العـراقـي وفـنجـال *** ومقابل الـلي شوفته تـشرح *** البـال يا ليـت من فاجـاه من قبـل الآجـال *** قـبـل يـقـال بـغـالـي العـمـر فـيـجي
وقال شاعـر خالدي :
لـمحـلا الـتـتـن الـعـراقـي ونـاسـة *** مـع جادل غرمـول زاهـي لبـاسـه *** الـجــادل الـلـي كـن مـفـراق راسـه *** مسـك لفـانـا مع قـفـول الحجـيجي
وقال شاعر آخـر :
لـمـحـلا الـتـتــن الـعـراقـي وحــره *** مـن كـيـس شغـمـوم رفـيـع مـقـره *** الهيلعي يـاخـذ عـلى الخـيـل كـره *** حيص على خوض المعامع يهيجي
وقال شاعر آخر وقيل أنه ماجد الحثربي :
لمحـلا الـتـتـن الـعـراقـي بـغـلـيـون *** وقـبى قحوم من السبايا ومسنون *** أبغي عليها أثني إلـى كّـون الكـون *** دون العذارى خلف تالي الهجيجي
وقال الآخر ويقال أنه نومان الحسيني :
لـمحـلا الـتـتـن الـعـراقـي وحــايـل *** من كيس أخو بـتلا كـريـم السبايـل *** الـلي مضيـفـه بالسـنيـن الـمحـايـل *** مثل الشرايع في مفيض الخـليجي
فتنبه الشيخ الحميدي لما أرادوا فقال :
حال العجل يا دليم قم حضر الكيس *** والكل جهز لـه نجيبـه مـن العيس *** مـا رد مـن زار الحمـايـل مفـالـيس *** يعـود مسـرور الخـواطـر بهيـجـي
يتبع