رد عبدالله بن عبار
الجزيره العدد 12536 بتاريخ 24 من شهر 1 لعام 2007
الباحث عبدالله بن عبار يرد:
(مهلاً يا دكتور عبدالرحمن الفريح)
نشرت صحيفة (الجزيرة) الغراء الصادرة في يوم الخميس الموافق الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة لعام 1427هـ العدد (12523) مقالاً للدكتور عبدالرحمن الفريح بعنوان: (للصحابة حق التقدير والاحترام) رداً على مقال سابق نشر بهذه الصحيفة حول موضوع نشر الدكتور مقال سابق ينسب الكاهنة سجاح إلى قبيلة تغلب من ربيعة، وبما أن الدكتور عبدالرحمن باحث في التاريخ والحضارة وله باع طويل في هذا المجال لذلك فهو لا يعذر وسوف أحاول تفنيد ما جاء برد الدكتور على تعقيبي السابق. وقد لفت نظري أنه عنون رده بعبارة (للصحابة حق التقدير والاحترام) ومن اطلع على هذا العنوان لابد أن يُخيل له أنني قد تعرضت للصحابة رضي الله عنهم بسوء -لا سمح الله- وهذا لم يحصل في ردي السابق على الدكتور عبدالرحمن، وإنني أجل الصحابة وأقدرهم وما تطرقت له لا يعني عدم احترام الصحابة وإنما تطرقت لحدث تاريخي مثبت بالمصادر، وهو أن القبائل التي ارتدت عن الإسلام ليست قبائل ربيعة وحدها كما يدعي الدكتور، بل إن هناك من تميم ومن قبائل أخرى ردت، وحروب الردة معلومة لدى الباحثين والمطلعين ولكي يكون القارئ على بينة من حقيقة الأمر فسوف أحاول توضيح النقاط الذي أشار لها الدكتور الفريح:
1- إن كان للدكتور مأخذا على أنني ذكرت حقيقة أمر سجاح ومن معها من ربيعة فهذا أمر تمليه الأمانة التاريخية وحتى وإن كانوا من العصبة الربيعية بحيث من الواجب عدم التحريف بالخبر وذكره كما ورد ولذلك فقد ذكرت القادة الذين تبعوا سجاح في تلك الغزوة المشؤمة ولا حرج من ذلك فقد ذكرت الحقيقة دون تعصب.
2- ذكر الدكتور أن هؤلاء المشايخ من ربيعة كانوا موتورين بمصارع فرسانهم الذين اصطلمهم ذوبان العرب، وقد ذكر بعض الفرسان من ربيعة الذين قتلتهم تميم، وهذه المقولة تمنيت على دكتورنا أن يتجنبها فإن عبارته يشم منها رائحة التشفي وهذا لا يجوز في هذا العصر فنحن إخوة وربيعة وتميم منذ العهد الجاهلي والحرب بينهم سجال ويعرف الدكتور عبدالرحمن تمام المعرفة أن القبيلتين لهما من المجد التليد ولهم من السؤدد ما لا يحصى بمجلدات، فلذلك لست مجاوباً الدكتور باستعراض من قتل من تميم بمعارك ربيعة ولا أريد معالجة الخطأ بمثله.
3- يستشعر القارئ من عبارة الدكتور أنه قد تشفى بما حدث للهذيل من نكبة ليس لأنه رد عن الإسلام بدافع الغيرة ولكن كونه يعتبره عدواً لدوداً لتميم وهذا التشفي يثير الاستغراب وأغرب من ذلك أسلوب الدكتور في توريد الخبر وتحامله على ربيعة باعتقاده أن هذا التحامل مناصرة لتميم وكأنه يعيش في ذلك العصر فلماذا هذا التعصب يا دكتور؟!
4- قال الدكتور في الفقرة الرابعة من رده : كان لربيعة ثلاثة بيوت أولها بيت بسطام وله ثلاث وقائع أرجله قوم صيّاد الفوارس في الأولى وأسره في الثانية وقتلوه في الثالثة، والبيت الثاني بيت الحوفزان حفزه قيس بن عاصم بالرمح في خرابه وركه ومات من تلك الطعنة بعد عام، والبيت الثالث بيت مفروق قتيل يوم العضالي كما يذكر أبوعبيدة ومصادر الأيام والمدفون في ثنية مفروق.
هكذا ورد في الفقرة الرابعة من مقال الدكتور عبدالرحمن وهو بذلك يقصد أن تميم هدمت بيوت ربيعة الثلاثة ولا أدري ما المقصد من التذكير بهذه الفتن الذي ذهبت في العصر الجاهلي دون رجعة بحيث جاء الإسلام وقضى على كل فتنة والدكتور يعلم أنه لم تقع كسيرة على قبيلة في يوم من الأيام إلا وقد انتصرت في يوم آخر ولسنا نحن بمعرض الحديث عن أحداث القبائل ومن هو الغالب ومن هو المغلوب ولو تم الانجرار وراء ما ذكره الدكتور ومجاراته في الحديث لتوسع المجال أكثر مما ينبغي فهو بطبيعة الحال لا يمثل تميم لا في جاهليتها ولا في إسلامها، كما أني لا أمثل ربيعة ولكن التاريخ أمانة ونبش الفتن لا طائل من ورائه لذلك فكما أسلفت لا أريد التعرض لسرد الأحداث الواقعة بين قبائل تميم وبعض قبائل ربيعة في العصر الجاهلي وأرى أنه لا داعي لذكر من قتل أو أسر في ذلك العصر من الطرفين فهذا يترك للتاريخ وأيام العرب التي حدثت بين تميم وربيعة في العصر الجاهلي قد بسطت في كتب التاريخ فذكر صاحب العقد الفريد وغيره من المؤرخين الكثير من الوقائع وسنذكر بعضاً من أيام العرب في الجاهلية دون الدخول بالتفاصيل:
أولاً أيام تميم على بعض قبائل ربيعة
1- يوم النباج وثيتل لتميم على بكر، 2- يوم زرود لبني يربوع على تغلب، 3- يوم ذي طلوح لبني يربوع على بكر، 4- يوم الحائر وهو يوم ملهم لبني يربوع على بكر، 5- يوم القحقح وهو يوم ماله لبني يربوع على بكر، 6- يوم رأس العين لبني يربوع على بكر، 7- يوم العضالي لبني يربوع على بكر، 8- يوم الغبيط لبني يربوع على بكر، 9- يوم مخطط لبني يربوع على بكر وكذا يوم سفوان ويوم السلي.
أما أيام ربيعة على تميم فمنها:
1- يوم الوقيط لبكر على تميم، 2- يوم الشيطين لبكر على تميم، 3- يوم جدود لبكر على تميم، 4- يوم صعفوق لبكر على تميم، 5- يوم فيحان لبكر على تميم، 6- يوم الأياد لبكر على تميم، 7- يوم ذي قار الأول لبكر على تميم، 8- يوم الحاجز لبكر على تميم، 9- يوم الشقيق لبكر على تميم ومن أيامهم المتكافئة يوم قشارة ويوم زبالة ويوم مبايض ويوم الزورتين ويوم عاقل ويوم الواقبي ويوم الشباك، والوقائع بين القبائل كثيرة وأكثرها بين ربيعة نفسها ولا داعي لذكر تفاصيلها حيث لا يشك أحد بمجد تميم أو ربيعة ولكن الدكتور قد حلّق في آفاق بعيدة كل البعد عن صيغة مقالي الذي رددت به على مقاله السابق سامحه الله وأحله.
5- لقد تطرق الدكتور في الفقرة الخامسة لشرح أحداث بعض أيام ربيعة وتميم وتحيّز بحيث أورد من قتل من ربيعة ونصر تميم على ربيعة ولم ينصف في هذا السرد للأحداث مما يثبت تعصبه المطلق، ومن طبيعة العربي الصميم أن يذكر ما له وما عليه، وهذا المنهج الذي كان عليه أجدادنا من قول الصدق حتى على النفس فسامحه الله بما ذهب إليه.
6- في الفقرة السادسة من مقال الدكتور عبدالرحمن قال: إن حرب البسوس وخزاز من مخترعات الوضاعين وهو بذلك قد أنكر تاريخ حقبة من الزمن وتاريخ قبيلة تحدثت عنها أمهات الكتب وكتب عنها علماء التاريخ والأنساب فهل يعقل نفي حرب البسوس ويوم خزاز الذي أوقدت به نار لتغلب؟
ثم أورد قول ياقوت بأن الأحوص العامري من مضر هو صاحب يوم خزاز وادعت ربيعة بعد زمن طويل أن كليباً هو صاحبها وقبل رئاسة يوم خزاز كانت لزرارة بن عدس، هكذا ذكر الدكتور الفريح وأقول عفواً يا دكتور فالقول مردود على ياقوت بحيث إن رئاسة كليب على معد وإخراجها من سيطرة اقيال اليمن معروفة ولا يشك باحث في رئاسة وائل بن ربيعة بن زهير التغلبي الملقب (كليب) على بني معد فهل أحد يصدق هذه الرواية الغريبة ؟
أما قول الدكتور بأن مرة الشيباني لم يستطع حماية ابنه جساس وقال له الحق بأخوالك ليحموك فقتل قبل أن يصلهم فهذه الرواية لا صحة لها والمعروف أن مرة رفض تسليم جساس للمهلهل ليقتله مما سبب حدوث حرب البسوس كما جاء بالمصادر، أما قول الدكتور عبدالرحمن على لسان صاحب نشوة الطرب أن المهلهل زعيم ربيعة لم يستطع منع نكاح ابنته في اليمن وقد جاور في قوم غير ذوي نباهة فأرغموه على نكاح ابنته وأولدها اليمانية إلى آخر ما قال الدكتور وهو بذلك قد حرف صيغة الخبر ولولا أنني أحسن الظن به لقلت إنه يبحث عن مثالب ربيعة، ولعله تطرق لهذا الموضوع دون قصد فأقول: لا يخفى على الدكتور أن الزمان له نكبات في القديم وفي الحديث فقد مر في التاريخ ما حدث لابن نويرة التميمي ويعرف الدكتور ما جرى لآل البيت من نكبات ولبني أمية من نكبات، كما يدرك الدكتور ما حصل لبعض خلفاء العباسيين من نكبات وحتى في هذا العصر يعرف سعادته ما حصل لشاه إيران وما حصل لحاكم العراق والأمثال كثيرة، أما عدي بن ربيعة بن زهير التغلبي الملقب (الزير) والمعروف بالمهلهل فإن قصته معروفة بحيث إنه بعد انتصار قبيلة بكر بن وائل على قبيلة تغلب بن وائل في يوم قضة المسماة تحليق اللمم فإن هذا الانتصار الساحق قتل من تغلب خلقاً كثيراً وكان السبب هو المهلهل وكما تعلم فقد أسره الحارث بن عباد وحماه الفند الزماني وخلى سبيله فلحق بقومه وكانوا في أطراف سواد العراق فتشاءموا به لما لحقهم بسببه من نكبات وغضبوا عليه فحصل بينهم وبينه مناكدة جعلته ينحاز عن قومه ويلتحق بقبيلة جنب من قحطان الكبرى وكانوا لا يعرفونه وعندما علموا أنه هو الزعيم المشهور المهلهل طمعوا في الزواج من ابنته عبيدة فتزوجها معاوية الجنبي وأنجبت القبيلة المسماة عبيدة والتي لا تزال معروفة في هذا العصر ويقول الرواة إن قبيلة عبدة من شمر من سلالة تلك المرأة وذكر ابن رسول أنها أنجبت راشد ومنيف وقبل أن يتزوجها معاوية الجنبي كانت قد تزوجت رجلا من قبيلة عنزة فتوفي عنها وذهبت مع والدها لقبيلة جنب وتزوجها الجنبي وليس في هذا عيب بحيث إن قبيلة جنب قبيلة عريقة متكافئة مع ربيعة.
وأرى أن الدكتور يستشهد بقول الباحث السوري الدكتور إحسان القائل إن يوم خزاز يوم محدود وليس بين ربيعة واليمن وأن قتلى حرب البسوس لا يتجاوز أصابع اليد، كما أورد الدكتور عبدالرحمن الفريح رأياً للدكتور طه حسين وهو قوله في كتابه في الأدب الجاهلي أن شعر ربيعة المنسوب لابن حلزة وعمرو بن كلثوم والأعشى مصنوع ومخترع في الإسلام ولا تعرفه عرب الجاهلية، وأن شعر العرب الجاهلي إنما هو شعر مضر شعر أوس بن حجر وتلميذيه النابغة وزهير، وأن فخر ربيعة إنما ظهر في الإسلام وصنعه الوضاعون، هكذا أورد الدكتور عبدالرحمن على لسان طه حسين قلت يعرف الدكتور من هو الدكتور إحسان ومن هو طه حسين فهما قد شككا بكل رواية تاريخية صدرت للعرب لقصد إبراز علمهما فمن أين لرجال معاصرين تصديق أو تكذيب ما ورد ذكره بالتاريخ قبل تسعة عشر قرناً فهل ينزل عليهما وحي أم أنه تلفيق وتشكيك؟
ثم سرد الدكتور حديثاً طويلاً عن رجال من ربيعة حاول التقليل من شأنهم ثم تطرق إلى نزوح ربيعة وتحامل كعادته سامحه الله وادعى أن تميم أجلتهم من ديارهم وحلت مكانهم ثم حمل على نسابة العرب ابن الكلبي ونعته بأشنع الأقوال واتهمه بالكذب مستشهداً بقول رجل شعوبي معروف بشذوذ أفكاره وهو يعلم أن العلامة هشام بن السائب الكلبي هو أشهر من ألف بالأنساب وتوسع بها، وتقول العرب (لولا ابن الكلبي لضاعت أنساب العرب) والكلبي لم يتعرض لتميم بسوء وإنما يورد نصوصاً تاريخية موثقة بالرواية والأخبار التي ذكرها ابن الكلبي عن أحداث الردة ليس هو وحده الذي ذكرها فقد تطرق لها الكثير من المؤرخين وابن الكلبي نسابة أكثر مما كونه اخباري، وقد ذكر الدكتور أن ابن الكلبي طعن بأنساب العرب وهذا لم يحصل بل إن ابن الكلبي قد أسهب في الحديث عن تفاصيل أنساب العرب وفصّل تميم مما لا يوجد عند غيره ولا أرى مبرراً لتحامل الدكتور عبدالرحمن على ابن الكلبي للأسباب التالية:
أولاً: أن ابن الكلبي عاش في القرن الثاني الهجري ودوّن أنساب العرب في الجاهلية والفترة التي عاصرها من الإسلام وأثرى المكتبة العربية وبذلك فهو مسلم يجب الترحم عليه والدعاء له لا شتمه ولعنه يا دكتور.
ثانياً: لم يعقب على ابن الكلبي أحد من معاصريه أو من الأجيال التي تعاقبت بعده بل إنهم ينقلون من كتابه جمهرة النسب ويشيرون له كمصدر رئيسي ومعتمد منذ ذلك التاريخ إلى هذا العصر.
ثالثاً: لم يشنع ابن الكلبي بقبيلة من قبائل العرب مما يجعله يستحق هذا التحامل وهذه المسبة المقذعة من الدكتور وأستاذه.
رابعاً: لم يصل أحد في هذا العصر إلى مستوى ابن الكلبي لكي يعقب عليه.
خامساً: لا يوجد لابن الكلبي كتاب يحتوي على ذكر مثالب العرب وإنما يورد الخبر دون تعليق.
سادساً: كتب ابن الكلبي لا تختص بالفقه ولا بالتوحيد لكي يتناولها الفقهاء بالتمحيص كونها تهم مصير الأمة وإنما هي أنساب تؤخذ بالإفاضة، وقد أسند ابن الكلبي إلى ابن حبيب والسكري وغيرهما من الرواة.
سابعاً: لقد استعرض ابن الكلبي نسب مضر في كتابه جمهرة النسب فوقع في أربعمائة وستين صفحة ونسب ربيعة في مائة وعشرين صفحة وبذلك فقد فصّل تفاصيل وافية عن هذه القبائل وكذلك نسب إياد وانمار وقضاعة بالإضافة إلى أنساب العرب القحطانية.. فأين الخطأ في كتاب ابن الكلبي يا دكتور ومن هو النسابة العربي الذي فصّل أنساب العرب أكثر من ابن الكلبي..؟ لذا فإن القول في تكذيب ابن الكلبي غير معقول وغير مقبول.
أما الرواية التي أوردها ابن الكلبي عن يذكر بن عنزة والنهدي القضاعي فقد ذكرها البكري من أسباب حرب ربيعة وقضاعة وتتداول العرب المثل القائل (ذهاب القارض العنزي) أو (حتى يؤوب القارض العنزي) والقارض هو يذكر بن عنزة كما ورد في نصوص المؤرخين وهذا دليل على ثبوت القصة وليس فيها مساس لربيعة فإن الأحداث تجري وما حدث قديماً لا يمكن إنكاره أو تحويره في هذا العصر..
وفي الختام أقترح على أخينا وصديقنا الدكتور عبدالرحمن الفريح أن يكف عن هذا الجدال العقيم عملاً بقول الحق سبحانه وتعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وبما أن هؤلاء القوم قد أفضوا إلى ربهم فلا ينبغي لنا أن نتخذ أحداثهم للجدال بيننا من منطلق الفزعة لربيعة أو لتميم، وما هذا الرد المختصر إلا لتبيان الحقيقة التي أرجو ألا تغيب عن الدكتور مع تقديري وإجلالي لكل رجل يعتز ويفتخر بقبيلته ويذود عنها بالحق وليس بالباطل، وختاماً أشكر القائمين على صحيفة (الجزيرة) الذين فسحوا لنا المجال لتصحيح المعلومة الخاطئة وتداول الرأي بين الباحثين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الباحث: عبدالله بن دهيمش بن عبار العنزي