متابعة :
أختلف معك أخي متعب : في عملية أن المستشرقين هم الذين أهتموا في إصول وتاريخ قبائل بلاد العرب
وذلك لإن حضارة العرب سبقة إروبا في جميع مجالات العلم وكانت النور الذي أضاء بلاد الفرنجة واليك بعض المعلومات التي تهم كل قارئ ومستطلع في أمور التاريخ
من القرن الخامس الميلادي حتى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي فترة من تاريخ أوروبا النصرانية يسمونها هم ( العصور الوسطى ) ويعدونها عصورا مظلمة حيث كانت شعوب الفرنجة تعيش حياء همجية بائسة في ظلال كنيسة متسلطة مستبدة ولكن كان أبرز حدث في تاريخ هذه الفترة هي تلك النافذة التي فتحت في جنوب أوروبا الغربي لتطل منه على الحضارة الإسلامية وذلك بوصول طلائع المسلمين إلى الأندلس وإقامتهم صرح الحضارة الإسلامية فيها والتي امتدت إلى أواخر القرن الرابع عشر الميلادي أي حوالي سبعة قرون
كانت فيها الأندلس مركزا حضاريا في هذا الجزء من أوروبا يشع عليها آثاره في زحف هادئ في معظم الأحيان ثم في صورة هجمات قوية كادت تخترق فرنسا إلى قلب أوروبا في أحيان أخرى.
وكان لهذه الحضارة الإسلامية أثر كبير على حياة الشعوب الأوروبية فأخذ الفرنجة يرتادون الأندلس كمركز حضاري ثقافي عظيم ينهلون فيه من مناهل العلوم و الحكمة ويكفي أن نتصور قرطبة - أعظم حواضر الأندلس الإسلامية - وقد أضحت مكونة من مائتين وخمسين ألفا من القصور والمساكن الراقية يسكنها ألف ألف من المسلمين والنصارى واليهود، وأنه كان فيها دكان النسخ الواحد يستخدم مائة وسبعين جارية في نقل المؤلفات النادرة لطلاب الكتب، وأنه كان في قصر الخليفة أربعمائة ألف كتاب[1].
ومهما وصفنا أو أثنينا على حضارتنا تلك فإن شهادة الأوروبيين أنفسهم أبلغ في هذا المجال فلنستمع للكاتب الأسباني بلاسكو أبانيز يقول في كتاب له اسمه ظلال الكنيسة:
في خلال سنتين اثنتين استولى الغزاة على ملك قضى مستردوه سبعة قرون كاملة في استرداده، ولم يكن في الواقع فتحا فرض على الناس برهبة السلاح بل حضارة جديدة بسطت شعابها على جميع مرافق الحياة، ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمنا عن فضيلة حرية الضمير وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبيع النهود ولم يخش المسجد معابد الأديان التي سبقته فعرف لها حقها واستقر إلى جانبها غير حاسد لها ولا راغب في السيطرة عليها ونمت على هذا ما بين القرن الثامن والقرن الخامس عشر أجمل الحضارات وأغناها في العصور الوسطى، في الزمن الذي كانت فيه أمم الشمال فريسة للفتن الدينية والمعارك الهمجية يعيشون عيشة القبائل المستوحشة في بلادهم المتخلفة، وبينما كانت شعوب الفرنجة والسكسون والجرمان يعيشون في الأكواخ ويعتلي ملوكهم وأشرافهم قمم الصخور في القلاع المظلمة ومن حولهم رجال هم عالة عليهم يلبسون الزرد ويأكلون طعام الإنسان الأول قبل التاريخ كان العرب الأندلسيون يشيدون قصورهم القوراء ويرودون الحمامات للمساجلة في مسائل العلم والأدب وتناشد الأشعار وتناقل الأخبار. ا -هـ[2] .
ويقول ستانلي لاين بول المؤرخ الإنكليزي واصفا تلك الحضارة بعبارة موجزة مملوءة بالمعاني " " إن حكم عبد الرحمن الثالث الذي قارب خمسين سنة أدخل على أحوال إسبانيا تجديدا لا يلم الخيال - على أجمع ما يكون - بحقيقة فحواه " [3] ا-هـ.
وكانت هناك نافذة أخرى فتحت أمام أوروبا من الشرق وهي الحملات الصليبية على بلاد الإسلام فقد جلب الصليبيون معهم إلى أوروبا كثيرا من عادات المسلمين وأزيائهم وأنماط حياتهم ووسائلهم في الحرب والبناء فارتفعت الحصون والقلاع والكنائس في أوروبا متخذة في أشكالها هندسة البناء الشرقي الإسلامي، هذا إلى جانب ما حملوا هم أو حمله إليهم سفراء المسلمين وبعثاتهم من أنواع الثقافة وتحت الحضارة الإسلامية في العصور المختلفة حتى عصر العثمانيين.ولا شك أن عالم الكنيسة النصرانية أيقن أن زحف المسلمين هذا لم يكن زحفا عسكريا فحسب، بل كان حضارة تمتد وتبسط نفوذها وتنشر معالمها في كل بقعة تصل إليها فتغير من حياة الشعوب وأفكارهم وعقائدهم وأسلوب حياتهم …
[1] أثر العرب في الحضارة الأوروبية للعقاد ص115-119 ( ط دار المعارف بمصر 1963 ) .
[2] أثر العرب في الحضارة الأوروبية للعقاد ص115-116.
[3] المصدر السابق ص116.