المكرّم الشيخ أبو مشاري الرفدي حفظك الله : لقد أفدت وأجدت ولمست كبد الحقيقة وأخينا كاتب المقال الذي يستغرب هذه القصّة ويستنكر حدوثها هو لم يأخذ بحسابه أوضاع القوم وحياتهم المعيشية في ذلك العصر وما يمر عليهم من شظف العيش كبيرهم وصغيرهم كما أنه قد تجاهل الظروف السابقه فهو يتصوّر أنه في هذا العصر ويرى أن الشيخ ساجر بالقرب منه السوبرماركتات والمحلات منتشره والسيارات والسواقين واقفه وأي سوق يريده في خلال دقائق يصل أليه وهو لم يسمع أحاديث كبار السن عن حال البادية في الوقت الماضي وكيف للشخص الذي يعيش في الحماد وفي صحراء بعيده عن المدن أن يتوفر عنده كل ما يريد والبدو عندما يفرغ مكيلهم لا يستطيع شخص بمفرده أن يذهب ليحضر الطعام من كثر الغزاه والحناشل ولكنهم يتجمعون رجال القبيلة ويسفرون بقافله ضخمه معها حمايه من الفرسان وقد يمضون شهر أو أكثر وهكذا
وفي عصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم والصحابة رضي الله عنهم جرت لهم قصص كثيرة من الجوع والفاقه بأمكان من يرغب الأطلاع عليها أن يقرأ السيره وفي عصرنا القريب وبعد حكم الإمام عبدالعزيز طيّب الله ثراه توجد وثائق كتب بها أن الملك عبدالعزيز تسلّف من فلان بن فلان مائة ريال فهل هذا يعيب الملك ؟ وهو الملك وفي عصر الملك عبدالعزيز قبل أن يفتح الله على البلاد خزائن الأرض يقدمون عليه مشائخ قبائل فيخرجيهم بعشرين ريال وأحيان قلّة تمر فهل في هذا غرابة ؟
عندما تعاونت مع الدكتور سعد الصويان في بحثه للحصول على الدكتوراه في الشعر الشعبي وكنت أجيبه لكبار الرواه فيسجّل منهم قصص وأحداث أهدى عليه صور لبعض مشائخ عنزة النادره حيث احضرها من مكتبات الغرب وهي الذي وضعتها في الطبعه الأولى من كتابي وكان لم يطلع عليها أحد من المشائخ وهناك صورة أحد مشائخ عنزة الكبار وبجانبه طفل صغير عليه ثوب رث وهو بدون غتره ويسير حافي ومكتوب أن هذا الطفل فلان بن فلان حفيد الشيخ وعندما شاهده أحد أحفاده قال لي لا تكتب اسم هذا الطفل فلان بن فلان بل أكتب أنه من أطفال العشيره وهو بذلك لا يريد أن جدّه بهذا المنظر ولكن هم رحمهم الله بأفعالهم وليس بمناظرهم لأن الرجال مخابر وليس مناظر والرجل الذي كتب يستنكر ما حدث مع ساجر من قصّة خليف لابد أن يكون له مقصد ولو أردنا أن نذكر شخصيات شيوخ عنزة في العصور القديمه ونعدد مآثرهم فأننا لا نجد بهم أحد إلا وله من المجد والسؤدد مالا يحصى فهاهو أبن شعلان قد حكم الجوف والنقره وهاهو أبن مهيد قد سيطر على أملاك وبلدان وهاهو أبن ملحم في عصر من العصور ما تخرج قافلة من اسطنبول إلا بخفارته وهاهو أبن سمير قد حارب الدول وهاهو أبن هذال بلغ من الشهرة والمجد ما بلغ كذلك العواجي والأيدا والفقير وأبن مجلاد وغيرهم وغيرهم وقد تجري معهم قصص في ذلك العصر حسب ظروف الحياه وفي عصرنا القريب جاءت سنه تسمّى سنة الحقّه حيث كان الطعام يباع بالحقّه وهي وزن من أقل الأوزان وفي عصر الشيخ حاكم بن مهيد قبل مائة سنه كان قد جاء على الفدعان فلج دم الأرض ومات الحلال وكادوا الأوادم يهلكون فتضمّن الشيخ حاكم رحمه الله أفران مدينة الرّقه وعيّش القبيلة وكان هذا الدهّر يسمى جلغيف وقيل به الكثير من القصائد حيث قال الشيخ جهبل أبو زهرة من هجينيه :
يا راكب فوق مامونــــــه *** سلّم على شيخ الأطرافي
ضّمّن حلاله بطابونـــــــه *** يوم الحطب دمّه السافي
حرش العراقيب مرجونه *** والقاع ما عاد تنشافي
وقال آخر :
مهبلك يا مزعلك جلغيف *** جلغيف جلغف مخاليقي
أخذ حلال وبنات هيـــف *** وأخـذ عيالن هداليـقـي
ونحن ننظر للرجال من زاوية أفعالهم وليس من نمط حياتهم المعيشيه