الموضوع: حكم الواسطة
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-06-2011, 11:59 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
مشرف قسم المستشرقين
إحصائية العضو







حميد الرحبي غير متواجد حالياً


افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

إن كلمة «واسطة» معناها اجتماعياً منح مسؤول في مكان ما امتيازات لأقاربه أو معارفه لا يستحقونها شرعاً وقانوناً، وإذا ضبط هذا المسؤول متلبساً بها، سيحول فوراً إلى المحكمة الإدارية، لأنه أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق. و«الواسطة» ظاهرة منتشرة جداً في جميع دول العالم بلا استثناء، وإن كان مستواها يزيد في بعض الدول عن الأخرى، وجميعنا ينظر إليها على أنها أمر مذموم وسلبي، يعيق تقدم المجتمع ويظلم الناس. ولكن، وللأسف الشديد، عند رغبتنا في إنجاز عمل ما، من مكان ما، في بداية الأمر، نبحث عن شخص من أقربائنا أو معارفنا في هذا المكان، لعله ينجز لنا ما نريده بدون جهد أو مشقة. والغريب في الأمر أننا نعتبر «الواسطة» أمراً سيئاً ونمقته تماماً عندما يقوم به غيرنا، ولكننا نرضاه لأنفسنا، بل ونبحث عنه بكل الطرق مهما كانت مستحيلة، ونجعله حلالاً لنا، وحراماً على غيرنا. واكتسبت «الواسطة» سمعة سيئة في مجتمعاتنا العربية بسبب سوء استخدامها. وسمعتها السيئة أتت من مفهوم قد يكون مبالغاً فيه، وهو أن من يسعون لطلب المساعدة من الآخرين على تحقيق هدفهم، هم لا يستحقون العون والمساعدة، لأنهم يحصلون على شيء ليس من حقهم، فإذا كانت الحالة هكذا، فلا شك تصبح «الواسطة» عملاً سيئاً وفعلاً ممقوتاً، ومحرماً شرعاً، وعلى المجتمع أن يرفضه، بل ويحاربه بكل ما أوتي من قوة.. ومما لا شك فيه أن من يقدم خدمة أو مصلحة لإنسان لا يستحقها إنما يقترف إثماً كبيراً وذنباً عظيماً لأنه بهذا يحرم منه صاحب الحق الأصلي. ومن ناحية أخرى فـ«الواسطة» واجب اجتماعي، وعمل فاضل، إذا استخدمت في طرقها الشرعية، وذلك بمساعدة كل محتاج للوصول إلى هدف مشروع، من حقه أن يحصل عليه، لكنه لا يملك الوسائل التي توصله إليه، حيث أن مساعدة من هذا النوع لا تدخل في نطاق «الواسطة» بل هي مجرد مساعدة لمن هو محتاج إليها ولا يستطيع الحصول عليها. ونجد أن «الواسطة» في مجتمعاتنا النامية تأخذ صيغة العُرف، ليس العُرف بمعنى العادة التي درج عليها الناس وصارت جزءاً من حياتهم اليومية وحسب، بل العُرف بمعنى ارتباط العادة المتكررة بالاقتناع والالتزام، أي بأن مخالفتها أمر تترتب عليه عقوبة اجتماعية، إضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن اللجوء لطلب «الواسطة» واجب مقدس تحتمه ضروريات الحياة، حتى لو كان الأمر الذي يبغي طالب الواسطة الحصول عليه مجرد خدمة عادية، تؤديها الدوائر الحكومية بسهولة ويسر، فنجد أن هناك سلوكيات صغيرة تتعلق بالحصول على الخدمة الحكومية، يعطيها كثير من الناس قيمة كبيرة، كأن يتمكنون من دخول مكان دون إبراز الهويـة، بينما يبرزها الآخرون، أو كالتمكن من الدخول إلى الموظف المختص مباشرة، أو رؤيتهم للساعي أو أحد الموظفين يلاحق معاملتهم بنفسه، مما يورثهم شعوراً بالفخر والاعتزاز أمام الناس، فكأن القيمة لا تتأتى للشخص إلا إذا أحس بتميزه على من هو سواه، مع أن هذا التميز في حقيقته شكلي ولا قيمة له، فهو ليس تميزاً في شيء له قيمة. وإذا عطلنا أحكام الله تعالى مراعاة لحال فلان، هذا قريب، وهذا بعيد، وهذا شريف، وهذا وضيع، فتدخل الواسطة في كل شيء، حتى حدود الله، وتقام الحدود على الضعفاء، ولا تقام على الأقوياء، فهذا مما يمهد لكي يكون الأغنياء أكثر قوة وجبروتاً وتمكناً في الأرض، حتى أن أحدهم لا يخاف من أي شيء، لأنه مطمئن أن أي شيء يخطئ فيه، فبيده أن يتخلص منه وقت ما شاء، فإن خُوِّف بعقوبة القانون، قال: إن العقوبة أستطيع أن أدفعها عن نفسي، وإن خُوِّف بالفقر، فهو يرى أنه من أغنياء المجتمع، وهكذا البطر عندما يأتي إلى القلوب يجعلها متجبرة. فالأمة التي تقيم حدود الله على ضعفائها، ولا تقيمها على أشرافها، أمة معرضة للهلاك والدمار، فلا بد من إقامة حدود الله على الصغير والكبير، حتى يرتدع الناس ، فتسلم بذلك الأمة، وتنجو من عذاب الله وعقوبته، وبغير ذلك فإن الناس لا يزدادون إلا قسوة، مهما رأوا من نذر العذاب، فإن القلوب إذا قست وإذا غفلت عن الله لا تؤثر فيها عبرة ولا موعظة. وعلى كل من ولاه الله أمراً من أمور المسلمين، أن يكون أميناً في أدائه لوظيفته، وأن يترفع عن كل ما ينقص من كيانه كخادم لأبناء وطنه، أو يهز من ثقة الجمهور به كممثل للدولة أو للمنشأة التي يعمل فيها، فوظيفته ليست ملكاً له، بل هي تكليف عليه لا تشريف له، ولذلك يقول الرسول (ص) لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه، ناصحاً له ومرشداً: «يا أبا ذر إنها أمانة، وإنها حسرة وندامة إلا من أخذها بحق الله فيها». ويجب على كل موظف حكومي ألا يستخدم وظيفته لتحقيق مآربه الخاصة، سواء له أم لذوي القربى، لأن في هذا الاستخدام استغلالاً خاطئاً للوظيفة، وتضييعاً للأمانة.



منقول-------------







رد مع اقتباس