تابع ..
الإمارة الطائية في بلاد الشام :
من زعماء القبائل العربية في العصر المملكوكي والتي استمر معترفاً بها وتعتبر امتداداً لزعامتهم إلى ما قبل هذا العصر، هم آل ربيعة بطن من طيء وينسبون إلى جد لهم اسمه ربيعة وكان يعيش أبناء له في أيام صلاح الدين، ولقد شاركوا في حروبه ضد الصليبيين في بلاد الشام، وقد استشهد قسم منهم في تلك الحروب، وأنجب ربيعة أربعة أبناء هم فضل ومرا وثابت ودغفل، ومن هؤلاء تفرعت فروع آل ربيعة، وهم الذين أصبح لهم دور سياسي في العصر المملوكي معترف به والفترة التالية 20.
وينقسم آل ربيعة إلى عدة بطون منها البطن الأول : آل فضل وهم رأس الكل وهم شعب كثيرة، وإن أمير آل فضل يجلس فوق جميع العربان، ومنازلهم من حمص إلى السلمية إلى الفرات، والبطن الثاني : آل مرا ومنازلهم حوران وهم أبطال مناجيد ورجال صناديد، والبطن الثالث : آل علي بن حديثة ودريارهم مرج دمشق وغوطتها بين إخوتهم آل فضل وبني عمهم آل مرا.
ومن طيء أيضاً بنو جرم ومنازلهم بلاد غزة إلى بلاد الخليل، ومنهم أيضاً ثعلبة وأراضيهم جهات غزة 21.
وينتسب آل ربيعة عرب الشام إلى ربيعة بن حازم بن علي بن مفرج بن دغفل بن جراح بن شبيب بن مسعود بن حرب بن السكن بن ربيع بن علقي بن حوط بن عمرو بن خالد بن معبد بن عدي بن افلت بن سلسلة بن غنم بن ثوب بن معن بن عتود بن عنيز بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء 22.
وجاء أن آل مرا بطن من ربيعة الطائية وينقسمون إلى آل منيخر وآل نمي وآل بقرة وآل شما، ويدخل في إمرتهم حارثة وبنو لام وبنو صخر، ويأتيهم من عرب البرية آل ظفير والمفارجة وآل غزي وعدوان وعنزة وديارهم الجولان والجيدور إلى الزرقاء والضليل وبصرى 23.
ولقد كانت الإمرة على آل ربيعة وعرب الشام إلى آل مرا لكن آل فضل استظهروا برئاستهم على آل مرا وغلبوهم على المشاتي 24.
وجاء في أحداث سنة (715هـ-1315م) أن آل مرا يسكنون سورية وأن رئيسهم نجاد بن أحمد بن حجي بن زيد بن شبل أمير آل مرا ولهؤلاء تنتسب الواقعة المعروفة "بذبحة آل مرا " وهم فرقة من طيء والإمارة كانت فيهم فانتزعها آل فضل من طيء 25.
وملخص الواقعة أن أحد شيوخ زبيد ويدعى سلطان جبر قد نازع أخاه جبريل على إمرة العشيرة وانتصر عليه فاضطر جبريل إلى الابتعاد عن عشيرته والتي كانت متواجدة في حوران واتجه إلى عشيرة آل مرا الطائية، حل جبريل شيفاً وحليفاً في مضارب آل مرا فرغب أحد شيوخ آل مرا الزواج بإحدى بناء جبريل الثلاثة، إلا أن الأخير مانع في ذلك فحدث نزاع انتهى بمقتله فأرسلت زوجة جبريل من يعلم قبيلة زبيد بالحادث فجمعوا جموعهم واستعدوا لأخذ الثأر فتقدموا حتى وصلوا مضارب آل مرا وهجموا عليهم ليلاً واعملوا فيهم السيف وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقد أطلقت العرب على هذه الواقعة اسم " ذبحة آل مرا " 26.
وجاء في حوادث سنة (795هـ-1395م) أن ابن قشعم ثامر أمر عربانه بالرحيل إلى جهة نعير أمير آل مرا (27) ، وتعتبر عشائر القشعم من بني لام من طيء القحطانية وجاء في السنة المذكورة خبر ثامر بن قشعم أنه قد تألم من الأمير نعير أمير طيء ومن حكومة الشام فأمر عربانه بالرحيل إلى جهة نعير فجازوا على أملاكه بالبصرة فاستولوا عليها ونهبوها والظاهر أن ثامر بن قشعم قد مال بعشائره بني لام من ذلك التاريخ باتجاه العراق وبلاد الشام 28.
كما جاء في كتاب عشائر العراق أن إمارة طيء كانت في العراق قبل الإسلام في بني هناء ومن هؤلاء إياس ابن أبي قبيصة أمير العرب في العراق، ولاه كسرى بعد أن قتل النعمان بن المنذر، وأنزل طيئاً في الحيرة فكانت الرئاسة له ولأعقابه إلى ظهور الإسلام، وفي عهد المسلمين كانت أمارتهم في بني الجراح من عقب إياس بن أبي قبيصة، وكانت الرئاسة فيهم أيام الفاطميين لأميرهم مفرج بن دغفل بن الجراح، تولى بعده ابنه حسان وسكن جنوبي الشام، وبقيت الإمارة فيهم في البادية وأصابها ضعف أحياناً وزاد نشاطهم في عهد المغول، والتركمان في العهد العثماني، ولقد كانت إمارتهم في ربيعة في أنحاء الشام في عهد الأتابك طغتيكين ومنه تفرع :
1- آل مرا : وهو ابن ربيعة وتعددت منه فروع منها آل أحمد بن حجي وآل مسخر وآل نمي وآل بقرة والشما 29.
2- آل فضل: ولقد دام النزاع بين آل مرا وبين آل فضل على الرئاسة مدة وكان لهم شأن في أيام المغول، وفضل بين ربيعة جد الكل ومنه تفرع آل مهنا وآل عيسى وآل حيار، وهؤلاء عرفوا مؤخراً بآل أبي ريشه، ومن فروع آل فضل آل ملحم ومنهم آل فرج وآل سميط وآل مسلم، تنازعت هذه الفروع الإمارة، وفي العهد العثماني استقرت في " آل أبي ريشه " 30.
وما زال آل فضل أمراء بادية الشام من حمص إلى وادي الفرات، وولاة الأمر على عشائر تلك البراري كلها طيلة القرون الأخيرة إلى عهد قريب، إلا أن أسماءهم قد تبدلت بعد انقسامهم وتغير رؤساؤهم، فأصبحوا يسمون آل مهنا بن عيسى، ثم برز من بين هؤلاء آل حيار وهو حيار بن مهنا بن عيسى 31.
ثم برز من الحياريين آل أبي ريشه رؤساء الموالي الحاليين، ولقد كانت قبيلة الموالي من أحلاف آل ربيعة الطائيين، ولقد كانوا يتحينون الفرص للانفراد عن آل ربيعة وتكوين كيان مستقل لهم وتشكيل إمارة لها سطوتها ونفوذها 32 ، ولقد كانت زعامة الموالي لـ آل طوقان، ولقد جاء في أحداث عام (1127هـ-1715م)، أن أمير الموالي عبد الله قد تحارب مع بني لام في العراق 33 ، ولقد اختلف في اسم الطوقان فمن قائل أنهم كانوا شيوخ الموالي وكانوا يضعون طوقين في أعناقهم تميزاً لهم عن عشيرة الموالي النازلين بينها – والموالي مجموعة من العائلات المختلفة الأصول والمنابت التي أكثرها غامض تحت زعامة الحياريين " آل أبو ريشه " الطائيين – ومن قائل أن الطوقين من الدولة العثمانية رتبة حسب الأصول المتبعة وعلى كل حال فلا خلاف في أن طوقان نسبة إلى طوقين 34.
ولقد كان الطوقان في الجولان – على إثر تركهم لعشائر الموالي – فجاؤوا مع حملة عبد الله باشا النمر إلى نابلس ويوجد طوقان أيضاً مع الموالي بسوريا، وجاء أيضاً في الروض البسام أن آل جحجاح أمراء قبيلة الموالي ويعرفون بآل أبي ريشه وهم يدعون النسب إلى آل برمك وهذا غلط وخلاف المشهور والمتواتر بأنهم ينتهون إلى سيدنا العباس بن عبد المطلب عم النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق ولده الفضل وأن آل أبي ريشه اتصل جدهم بعرب الشام بعد واقعة التتار واجتمع عليه بطن من الحيار الوائليين ثم انضم إليه عن طريق الخدمة أناس كثيرون من قبائل متفرقة وكثرت الأخلاط في قبيلته وأصبح الحياري بين الباقين كالنقطة، فخص الحياريين بأطواق من حرير أسود فوق الأزياق، وقال لهم المطوقون فحرف الأعراب ذلك وقالوا الطوقان، وبقيت سنة في آل جحجاح فإنهم لا يتزوجون على الغالب إلا من الطوقان وسُميت بقية الفصائل التي اجتمعت عليه بالموالي 35.
ودعوى انتسابهم إلى العباس عم الرسول غير صحيحة والعباس جدهم هو ابن الأمير أحمد الحياري الذي تولى الإمارة بعد مقتل الأمير ملحم الظاهر سنة (1093هـ-1682م) 36
ولقد كان الأمير فياض بن عساف بن نعير بن حيار بن مهنا يلقب بالحياري أبو ريشه والحياري نسبة إلى جده حيار وأبو ريشه لأنه كان يضع ريشه من ذهب في مقدمة عمامته تقليداً لجده عيسى بن مهنا الذي أنعم عليه السلطان قلاوون سلطان مصر سنة (680هـ-1281م) بريشه من ذهب وأموالاً وعبيداً فلقب أحفاده بـ آل أبي ريشه 37.
يتضح لنا بالوجه القاطع أن آل أبو ريشه هم من أعقاب آل ربيعة الطائيين أمراء عرب الشام، وليسوا من أعقاب العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام ولا من أعقاب البرامكة، أما بالنسبة للطوقان فهم أمراء الموالي سابقاً وارتدوا الطوقين للتميز عن بقية الموالي، حتى خالطهم الحياريون ومنهم آل أبو ريشه وأخذوا منهم إمارة الموالي بعد نزاع مرير عليها انتهى بمقتل معظم أمراء آل طوقان في قلعة سلمية وهجرة القسم الآخر إلى البلقاء.
وجاء في تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني أن الطوقان أسرة من عرب الموالي القاطنين في لواء حماة يتصل نسبهم بالعباسيين وهم فرقتان الأولى الطوقان، والثانية أبو ريشه، فاعتزل زعيمهم عبد الله الطوقان بلاد حماه وخيم في نواحي البلقاء ونابلس لنزاع وقع في العشيرة، وبقي بنو أبي ريشه في تلك الديار ونبغ من آل طوقان كثيرون، منهم صالح باشا والي سوريا سنة (1098هـ-1686م)، ومصطفى باشا الذي حارب ظاهر العمر الزيداني وتولى مصر والحجاز، وقد ألف فيه كتاب اسمه " قلائد العقيان في نسب حضرة الوزير مصطفى باشا طوقان " والموجود في خزانة " ادبسالا " ولا تزال هذه الأسرة محترمة من وجهاء نابلس وزعمائها 38 .
ولقد كان الموالي يحرضون الأمير فخر الدين المعني ضد آل ربيعة الطائيون " الحياريين " ولما كانت قبيلة الحياريين والتي يرأسها الأمير مدلج لا تقوى على منازعة المعنيين والموالي بسبب الخلافات والمنازعات التي حدثت بين الأمير مدلج والأمير حسين بن فياض، ثم أخذ الموالي يحاولون السيطرة على بادية الشام والعراق، وكان ذلك عام (1031هـ-1621م)، وفي حوادث سنة (1132هـ-1719م)، تمرد الموالي والعباسيون على السلطة في أنحاء حلب 39.
والعباسيون هم بقايا آل أبي ريشه من فخذ الأمير العباس ابن الأمير أحمد الحياري وهذه تظهر لنا تحالف الموالي وآل أبي ريشه 40، ولقد كان النزاع مستمراً بين آل أبي ريشه وبين الطوقان والموالي إلى أن تمكن الأمير علي الشديد وهو ابن الأمير شديد ابن الأمير أحمد الحياري سنة (1076هـ-1665م)، من السيطرة على قبيلة الموالي وقيادتها فآلت إمارة الموالي من الطوقان إلى أبي ريشه ثم انتقلت إلى الأمير حسين العباس سنة (1107هـ-1695م)، وهو ابن الأمير العباس ابن الأمير أحمد الحياري، وكان والده العباس قد تولى إمارة آل أبي ريشه بعد مقتل الأمير ملحم الظاهر سنة (1093هـ-1682م)، ولا زالت رئاسة الموالي في سوريا لغاية الآن لأعقاب الأمير شايش بن عبد الكريم من آل أبي ريشه 41، وهؤلاء لا يتزاوجون من الموالي إلا من فخذ الطوقان فقط، لشرف منبتها الذي يعزونه إلى أسرة الطوقان المعروفة في نابلس 42، ويروى أن أحد أمراء آل أبو ريشه ويدعى فياض الحياري، كان قد نصب عاموداً وسط فيافي الحماد دعاه عمود الحمى حرم به على العشائر النجدية المتحفزة للقدوم نحو بادية الشام أن تتخطاه وتقترب من نفوذ قبائل طيء في تلك البادية 43.
ومن آل طوقان توجد عائلة واحدة مع عشائر السردية وهي عائلة فهد محمد طوقان والذي جاء إلى حوران وانضم إلى عشائر السردية على أثر نزاع بينه وبين أبناء عمومته.
ولقد جاء ذكر الطوقان في تاريخ الأمير فخر الدين المعني وملخص ما جاء فيه عنهم: في عام (1020هـ-1612م)، قام الأمير فياض الحياري بطرد الأمير أبو اللثام بن عبد الله الطوقان بأهله وعربه إلى الأمير فخر الدين المعني الثاني 44، وفي سنة (1024هـ-1615م) عين الأمير فياض الأمير سلطان عبد الله الطوقان ليغزو مع الشيخ عمر بن جبر السقري شيخ المفارجة عرب السردية 45، وتحاربوا معهم في حوران وطردوهم من البلاد إلى البلقاء، وزادت مكانة الشيخ عمر والأمير سلطان الطوقان بالغنائم وإطاعتهم جميع العربان فأصبحت عرب الأمير فياض الحياري " أبو ريشه" تتفرق عنه وتحضر إلى عند الأمير سلطان الطوقان لأجل الغنائم فأرسل الأمير فياض للشيخ عمرو شيخ المفارجة " إن كنت تريد خاطري فاطرد عنك الأمير سلطان " ولما بلغ الأمير سلطان ذلك رحل من عند الشيخ عمرو ونزل على الشيخ رشيد شيخ عرب السردية.
ثم تحرك الأمير فياض الحياري " أبو ريشه بعربه من سلمية إلى حوران ولما وصل إلى منازل عرب السردية والشيخ رشيد، والأمير سلطان هجم عليهم، فاتجه عرب السردية بطرشهم إلى اللجاه ثم ذهب الأمير سلطان إلى فروخ بك سنجق عجلون، وكوجك كنعان سردار حوران ودخل عليهما فجاء كنعان إلى الأمير فياض يتوسط للأمير سلطان فعفا عنه وقبل الأمير سلطان يده ورجعوا معه إلى بلاد الحياري، ولما وصل الأمير فياض إلى القريتين أخذ جميع بوش سلطان الطوقان وطرده، فقام بالذهاب إلى عند الشيخ ناصر آل مهنا شيخ القشعم في بلاد العراق، ثم قام الأمير سلطان بالإغارة على عرب فياض الحياري وقطع الطريق عليهم حتى قيل أنه مرة أخذ قافلة بقرب قارا جاءت من حلب فيها بضائع بخميس ألف قرش، فلما أتعب سلطان مزاج الأمير فياض دعا الأمراء أخوة سلطان الطوقان إلى وليمة في قلعة سلمية وهما الأمير نجم والأمير أبو فاضل ولدي الأمير عبد الله الطوقان وأولاد عمهم الأمير أحمد بن الحوري والأمير حسن بن عرار وغيرهم ثم ألقى القبض عليهم وسجنهم في قلعة سلمية وقتلهم 46.
ثم قام الأمير سلطان بعد هذه الحادثة بمفارقة الأمير ناصر آل مهنا في العراق وجاء ونزل في اللجاه وكبس على عرب سعيدة وقتل شيخهم فتكاثروا عليه وجرحوا فرسه من تحته وحكموا عليه وعلى ابن عمه الأمير علي بن عرار بالقتل عوضاً عن شيخهم وجاؤوا برأسيهما إلى مدينة دمشق في شهر رجب سنة (1024هـ-1615م) 47.
وقام الأمير فياض الحياري " أبو ريشه " في عام (1028هـ-1618م) بطرد الأمير عباس ابن الأمير أحمد أبو ريشه والأمير أبو اللثام ابن عبد الله الطوقان – وفي الهامش الأمير فياض أبو اللثام – إلى عند الأمير فخر الدين، ولقد كانت سبب العداوة بين الأمير عباس مع الأمير فياض أنه عندما حضر الوزير خليل باشا إلى حلب وشتى في ديار بكر توجه إليه الأمير عباس ووالدته الحاجة أخت عبد الله الطوقان فأعطى الأمير عباس سنجق سلمية ثم قام الأمير فياض بالقدوم من بلاد الجزيرة وقطع الطريق بين حلب والشام وحاصر الأمير عباس في سلمية مدة حتى جاء تقرير باستلام الأمير فياض سنجق سلمية من جانب الوزير وخرج الأمير عباس من سلمية وظلوا مطرودين إلى ذلك الوقت 48.
يتبع ..