عن عمر الفاروق رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى )) ، والعامة تقول النية مطية 0

في أحد الأيام تقابلت مع شخص أعرفه تمام المعرفة وتجاذبنا أطراف الحديث وهو من عادته المراوغة فلما انتهى حديثنا ختمت كلامي بقولي له (( الله يرزقك على قدر نيتك )) ، فهل تتوقعون ما هي ردة فعله ، الحقيقة كانت عنيفة كشفت عن نيته الخبيثة الدفينة ، فقال لي استغفر الله يا شيخ ، فقلت له لماذا غضبت وتضايقت فأنا دعوت لك ولم أدعو عليك إلا إن كانت نيتك في حقي سيئة فهذا أمر آخر ، فقال لا وانصرف على مضض 0

ومن تلك اللحظة أصبح هذا الدعاء ديدني حتى لا أظلم أحد والله أعلم بالنوايا

والقول بالقول يذكر يقال أن أحد الرجال قال للأخر الله يعطيك على نيتك فقال ( سبعك تهبا ) وكلمتة سبعك وتبها هي تيسبيعّه وتهبية وهذه الكلمات تدل على عدم الرضا فقال الرجل لماذا ؟ قال ( نيتي قشرى ) واعترف أن نيته فاسدة والعياذ بالله

الدعاء رزقك الله على قدر نيتك ليس فيه تعدي أو ظلم بل هو دعاء مشروط بنية سيئة ليس إلا 0
أخي الفاضل لقد دعا النبي r بهذا الدعاء ( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ) رواه مسلم ، وهنا لم يحدد شخصا بعينه بل بدعاء عام ومثلها الربط بنية الشخص ، وفي مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد حدثني ثابت البناني حدثني أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى حفصة ابنة عمر رجلا فقال احتفظي به قال فغفلت حفصة ومضى الرجل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا حفصة ما فعل الرجل قالت غفلت عنه يا رسول الله فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع الله يدك فرفعت يديها هكذا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما شأنك يا حفصة فقالت يا رسول الله قلت قبل لي كذا وكذا فقال لها صفي يديك فإني سألت الله عز وجل أيما إنسان من أمتي دعوت الله عز وجل عليه ان يجعلها له مغفرة - شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم ، وقيل سوده 0
ولنا في السلف الصالح رضي الله عنهم خير مثال فقد اشتكى أهل الكوفة سعدبن أبي وقاص رضي الله عنه كذبا وزورا فقالقائلهم ( أما وقد سألتنا عن سعد ، فإنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية ، ولايحسن كيف يصلي بنا ) فقال سعد رضي الله عنه داعيا ( اللهم إن كنتُ تعلم أن عبدك هذا قد كذبوفجر فيما قال ، اللهم أطل عمره ، وخُذ بصره ، وعرِّضه للفتن ) ، وكذب امرأة على سعيد بنزيد رضي الله عنه حيث ادعت أنه ظلمها في بئرها ، فقال سعيد ( اللهم إن كانت كاذبة اللهم اجعل قبرها في بئرها ) فلاحظ أخي الفاضل أدعية مقرونة مشروطة 0
أخي الفاضل يحق للمسلم أن يدعو على من ظلمه سواء كان عاديا أو طالبعلم أو داعية دون تعد أو ظلم ، علما بأن العفو أفضل ، فلا يوجد مانع من أن يدعو على من ظلمه أو أكل حقه أواضمر له سوء فالدعاء ( رزقك الله على قدر نيتك ) لا أرى فيه محظورا شرعيا لا من قريبولا من بعيد ، وذلك لأن الدعاء هنا ليس فيه اعتداء ولا زيادة بل هو مقرون مشروط بقدر فعل المدعو عليه والمبيت بنيته ، وكوننا طلبة علم ودعاة لا يعني هذا أن نكون ضعاف في حفظ حقوقنا فمن حقنا أن ندافع عن أنسفنا ولو بالدعاء ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه ( المظلوم له أن يدعوالله عز وجل على ظالمه بقدر ظلمه ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آلهوسلم ( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) 0
وأخيرا أرى أن الدعاء فيه درس تأديبي لمن ساءت نيتهم هذا ما لدي فان تبين لي غير ذلك فهو منهجي والله اعلم واحكم وعذرا للإطالة 0