عرض مشاركة واحدة
قديم 11-24-2017, 07:06 AM   #8
مؤرخ قبائل السلقا
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 1,130
افتراضي

"الجزء الأخير"

رحلة بلجريف:رواية أدبية مادتها التاريخ!!


قال أبوعبدالرحمن: من الراجح أن بلجريف(1) لم تطأ قدمه الجزيرة العربية قط, ومن المرجوح أنه زار الجزيرة وكتب رحلة إلا أنه شحنها بالأكاذيب, ومن المحتمل أن رحلته لم تتجاوز حائل, وعلى التقديرات الثلاثة ففي رحلة بلجريف أشياء هي من الكذب بيقين لايشوبه إحتمال,وعل التقديرات الثلاث, ففي رحلة بلجريف أشياء من الكذب بيقين لايشوبه احتمال, ومن تلك الأكاذيب بيقين, ماافتراه على الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي من التاَمر على سم أخيه سعود! قال (2) روبن بدول:أُستقبل بلجريف من قبل الأمير عبدالله, الذي وصفه بأنه يشبه هنري الثامن لاعتزازه بنفسه,ولغلظته وشجاعته ومهارته السياسية, أما الإمام فيصل فكان رجلاَ كبير السن وبدا عليه التعب .

وقد وافق بلجريف الاَخرين من أهل الرياض في توقعاتهم, أنه بعد موت الإمام ستقوم مشكلة ولاية العهد, بين الأمير عبدالله وأخيه الأصغر سعود,الذي وصفه بأنه يشبه ضابطاَ في فصيل (3) الهوصار, وقد عزم الأمير عبدالله على أن يسبق الأحداث ويبادر بضربته, فلمَح لبلجريف عدة مرات وبطريق غير مباشر, عن رغبته في الحصول على كمية من عقار"ستركنين السام", ثم عبر له عن تلك الرغبة صراحةَ قائلاَ:أنه يامل أن لايُرد طلبه, فهمس بلجريف في إذن الأمير:لامانع عندي من مشاركتك في جريمتك, وأن أكون مسؤولاَ أمام الله يوم الحساب, ولكنك لن تحصل عليه أبداَ, فاسود وجه الأمير, وانتفخت أوداجه من الغضب, الذي لم أرى مثله قبل ذلك ولا بعد,وعرفت حينئذِ أن الغضب من الشيطان ومرت برهة من الصمت كان الأمير يراجع فيها نفسه .

كتم بعدها غيضه وسيطر على نفسه, فانفجرت أسارير وجهه وغيَر لهجته, وبدأ في الحديث عن مواضيع أخرى,وفي ليلة من ليالي نوفمبر وبينما كان بلجريف يعد العدة لمغادرة الرياض بعد أن عمل دراسة تاريخية وسياسية عن الحركة الوهابية أستدعي في منتصف الليل للمثول حالاَ أمام الأمير عبدالله الذي أجلسه قريباَ منه وبعد برهة من الصمت الطويل أخبره الأمير فجأة بقوله: الاَن أعرف تماماَ من أنتم!! أنتم لستم أطباء انتم جواسيس نصارى وثوريون جئتم هنا لتخريب أوضاعنا والنيل من عقيدتنا نيابة عن أولئك الذين أرسلوكم, إن عقاب من هو مثلكم كما تعرفون هو الموت الذي عزمت على إنفاذه بلا تردد .

ونظر بلجريف وروايته لهذه الحادثة هي المصدر الوحيد لدينا- في وجه المدعي عليه ببرود, واعترف له انه نصراني حقيقة, ولكنه نفى أن يكون جاسوساَ, وتحدى الأمير أن يقتله, بعد أن أصبح ضيف الملك والد عبدالله لأكثر من شهر,فما كان من عبدالله إلا أن لعب ورقته الأخيرة فدخل خادمه حاملاً فنجاناً واحدا فقط من القهوة وقدمه لبلجريف وكانت مسألة التحدي واضحة, حيث أن الإمتناع عن قبول القهوة سيؤدي في هذه الحالة الى رفع الحصانه التي يتمتع بها الضيف, ولكن بلجريف أخذ الفنجان وشربه وطلب اَخر, وعندما ظهرت ملامح الحرج على وجه عبدالله تشاغل بلجريف بالتحدث مظهراَ رباطة جأشه عاكساَ البرود الإنجليزي المعروف في وجه الأعداء وعند المصاعب, ومع ذلك خرج بلجريف من المجلس وفي ذهنه شيء واحد:مغادرة الرياض بأسرع وقت ممكن .

قال أبوعبدالرحمن:بلجريف في قصة السم صاحب رواية أدبية واقعية وليس صاحب تاريخ واقعي, والفرق بين الأمرين أن المؤرخ الواقعي يذكر الأحداث كما وقعت,أما الروائي فيذكر أحداثاَ ليس من الضروري أن تكون حصلت وحدثت في الواقع,وإنما هي أحداث يمكن تصور وقوعها,اما الروائي الواقعي فيذكر احداثاَ ليس من الضروي أن تكون حصلت وحدثت في الواقع وإنما هي أحداث يمكن تصور وقوعها, وهذا مافعله بلجريف, إذ اتخذ له عنصرين من الواقع: أولهما صحة الكراهية بين الإمامين عبدالله وسعود ,وشدة البغض بينهما فهذا حدث صحيح حصل في الواقع,فألف من هذا الحدث الواقعي حدثاَ مختلفاَ,وهو عمل عبدالله على سم أخيه .

لأنه إذا حدث في الواقع شدة الكراهية والبغض,فلايستبعد في تصور العقل قيام أحد الطرفين بسم الاَخر,وثانيهما: عرف العرب في الممالحة, أن الشخص إذا دخل منزل عربي أو شرب من مائه وأكل من طعامه, فقد حصلت له ذمة الجوار, فلايستبعد في تصور العقل قيام أحد الطرفين بسم الاَخر,فهذا الحدث الواقعي ألف منه بلجريف, دعوى أن الإمام عبدالله بن فيصل سالمه ولم يوقع به من أجل عادة العرب في الممالحة,فالعقل يتصور حادثة إفلات بلجريف من عدالة عبدالله بن فيصل, مادام عرف الممالحة واقعاَ عربياَ صحيحاَ, وهذا المدعي تنفيه الظروف والملابسات لصاحب الحدث المزعوم الإمام عبدالله بن فيصل , فأول ماينفيه أن التخلص من أي شخص بالسم لايتوقف على عقار(ستركنين) بل العجائز والفقراء والخاملين قادرون على تملك كميات من السم, فليس السم أداة نتدرة لاتوجد عند غير بلجريف!!


وثاني ماينفيه:أن الإمام عبدالله بشهادة بلجريف نفسه, من المتحمسين للدين من خلال دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب حتى وصفه بالتزمت والتعصب,فمن هذا شأنه يمنعه دينه ومركزه, أن يقتل مسلماَ بريئاَ غيلة فضلاَ عن أخيه,وثالث ماينفي هذا الحدث المزعوم: أن الظروف اكذبت إحتمال تصور هذه الفعلة, أو التفكير بها من قبل الإمام عبدالله, لأنه لما تولى وضايق أخاه سعود كان شبه أسير عنده,ولو أراد تغييب شمسه غيلة لفعل ولايبالي وهو في مركزه يومها,(وقد توفى الإمام فيصل) أن تظهر بعض خيوط من الحادثة لاسيما بعد ان تطور,فما الذي منعه من هذا الظرف من الإغتيال وهو عليه أقدر واليه أحوج,وهذا بالفعل مالاحظه الشيخ ابن عتيق في خطابه للإمام سعود .


وحدثني عميد ثقة من اَل غشيان بالسند المتصل ,الى الإمام عبدالله بن فيصل أنه أبى أن يأخذ بأحد خيارين:أحدهما أن يغدر بأخيه فيغتاله ويتحمله في موازينه, وثانيهما: أن يفل له الراية كما فلها الإمام فيصل لابنه عبداللة,ورابع ماينفي هذا الحدث:أن الإمام عبداللة ليس ذا عُرف بدوي,يخضع دولته لأحكام الممالحة,وإنما الإمام عبدالله الفيصل إمام منتخب بالبيعة الشرعية, بايعه جيشه وجنده وكافة رعيته على الكتاب والسنه,وهو وريث علم شرعي, قامت عليه دولة اَبائه وأجداده, فهو يعمل لمصلحة دولته, وفق أحكام السياسة الشرعية السلطانية, ووفق مقتضيات الفقه الإسلامي, ودولة هذا شأنها ليس في دينها عُرف اسمه الممالحة ينجو بها كل مُحدث من مجرم أو جاسوس .


وخامس ماينفي ذلك الحدث: أن بلجريف غير مؤتمن فيما تفرد بنقله, لأنه يهودي تنصر, وقام باعمال جاسوسية في مصر وبلاد العرب والهند,فحصيلة هذه العناصر الثلاثة صهيونية سياسية,وليس هذا مجال تحقيق ماذا يعني مدلول الصهيونية السياسية, من التخريب والعمل في الخفاء, فقد كُتب في ذلك فيوض من المؤلفات,إنما المهم أن بلجريف- سواء وصلت جاسوسيته الجريرة أم لم تصل,فهو جاسوس يهمه أن يعرف أوضاع أهل الدعوة الحنفية على حقيقتها ليزيف عليها,وأنه يلبي مطلباَ أجنبياَ, يعادي الأمة العربية في دينها وتاريخها,وأنه يريد أن يلفت الأنظار لمداخل الكيد الأجنبي لتتمزق هذه الدولة كما تمزقت في عهد الإمام عبدالله بن سعود الأول رحمهما الله تعالى .


وفي قراءتي العاجلة لما كُتب عن بلجريف ورحلته,وعما تُرجم عنها من فصول أو نبذ, وجدت من يحتمل أن بلجريف يسعى لتقوية أطماع اَل رشيد في بداية عهدهم الذهبي(عهد طلال وعمه عبيد) ومن المحتمل أنه يسعى لتدخل الإنجليز في شؤون الجزيرة, بعد أن أظهر لأسياده أزمة التوتر بين الإمامين,وأما مايقبله الباحث من اخبار بلجريف عن الخلاف بين الإمامين, فلأن له شواهد أخرى (4) كرحلة الكولونيل لويس بلي, الذي زار الإمام فيصل في الرياض عام 1865م: أي بعد زيارة بلجريف بسنتين وزيادة أشهر,وكدلالة الأحداث ومراسلات المشايخ على خلاف قديم, إن رحلة بلجريف مزيج من الواقع التاريخي والرواية الأدبية, وذلك الواقع التاريخي مصدره قراءات بلجريف وتحرياته أو رحلته إن صحَ أن له رحلة.


"إنتـــــــــهى"


1- وليم جيفورد بلجريف: مستشرق بريطاني ولد عام 1826م- وتوفي عام 1888م يعد من أشهر الرحالة الذين زاروا جزيرة العرب اتخذ له رفيقاَ يونانياَ من زحله اسمه جيرجيري ليصحبه في رحلته وتسمى هو باسم سليم ابومحمود ورفيقه ببركات الشامي بدأ بلجريف رحلته عام 1862م واستمرت مايقارب العام زار خلالها الرياض والجوف وحائل وبريدة والهفوف والقطيف والبحرين وقطر وعُمان وقد توج رحلته بكتاب من جزئين " قصة رحلة عام عبر وسط الجزيرة العربية وشرقها" في مجلدين نشره 1865م إلا أن بعض الرحالة شككوا في حقيقة المعلومات التي أوردها بلجريف في كتابه؟ بينما شكك اَخرون بحقيقة قيامه بالرحلة نفسها واعتبروها من نسج خياله! لكن الحقيقة أن رحلة بلجريف تعتبر الأشهر بين جميع رحلات من ارتادوا جزيرة العرب من الرحالة الغربيين .

2- المستشرق الدكتور روبن بِدوِل: صاحب كتاب "الرحالة الغربيون في الجزيرة العربية" ترجمة د .عبد الله آدم نصيف ، ص 23 ، الرياض ، 1409 هـ 1989 م .

3- الهوصار: قال عنه المؤلف: أنه فصيل من الجيش البريطاني معروف بشجاعته في القتال .

4- الكولونيل لويس بلي: 1824م- 1892م صاحب كتاب"رحلة الى الرياض" كان موفداً سياسياً لبريطانيا في منطقة الخليج العربي في أواخر القرن التاسع عشر وثاني رحّالة بريطاني يزور مدينة الرياض عام 1865م بعد رحلة وليم بالغريف 1862م م وذلك لإقامة علاقات ودية بين بريطانيا والأمام فيصل بن تركي آل سعود ذكر الشيخ حافظ وهبة ملخصاً هذه الزيارة:على الرغم من اعتراف الإمام فيصل بسيادة الأتراك الاسمية إلا أن ذلك لم يمنعه من مفاوضات الكولونيل لويس بيلي المقيم السياسي في (أبو شهر) على الشاطئ الشرقي للخليج. وكأنه يميل إلى القول أنها مبادرة بريطانية وتابع حافظ وهبة قائلاَ: في هذا التوجه عدد من المؤرخين مؤكدين أن الرحلة كانت تستهدف تحسين العلاقة بين الدولة السعودية الثانية وبريطانيا .














التعديل الأخير تم بواسطة ابو مشاري الرفدي ; 11-28-2017 الساعة 01:42 AM
ابو مشاري الرفدي متواجد حالياً   رد مع اقتباس