بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الصراحة أستغرب مما يجري بخصوص نسب قبيلة عنزة وغيرها من القبائل، مع أن سلسلة النسب معروفة إلى عناز بن وائل، وهذا يكفي، فجميع المصادر والوثائق تشير إلى أن أهل خيبر هم عنزة بن أسد بن ربيعة.
ولكن كثيرًا من القبائل اليوم تتفاخر بالعصر الجاهلي، وأنه لا بد من ربط القبيلة بتاريخها الجاهلي، والحقيقة أن هذا الربط لا معنى له اليوم.
فلا أجدادنا يعرفون التاريخ الجاهلي، وكثير منهم لو ذكرت لهم أسماء القبائل في الجاهلية لما عرفوها؛ فلماذا هذا الربط إذًا؟
ما دام هذا التاريخ غير معروف للذين سبقونا، ولا هو متوارث بينهم، بل ظهرت هذه الأمور بعدما اطلع الباحثون على الكتب القديمة والمصادر، فأصبح الناس يتفاخرون بقصص لا يعرفها الأجداد، بل أعتقد أن كثيرًا من هذا الربط مجرد أوهام وخيالات.
ونجد تعارضًا بين ما يقوله كبار السن في نسبهم، وما يقوله الذين اطلعوا على الكتب القديمة.
فمثلًا: معركة ذي قار، صحيح أن قبيلة عنزة شاركت فيها، لكن هل هذه معركة متوارثة شفويًا جيلًا بعد جيل؟
أم أن شخصًا وجدها في كتاب ثم نشرها، فأصبح الأمر كأنه إرث متوارث؟
هنا تحدث المشكلة والخلل: يتركون ما هو متوارث شفويًا من مواقف وبطولات، إلى ما هو مسطر في الكتب القديمة.
هل العرب في الجاهلية اهتمت بنسبها ما بعد عدنان؟
أم احتفظت بما هو محفوظ في ذاكرتهم، وتناقلته الأجيال؟
هذا هو الانتماء الحقيقي.
أما ما هو مسطر في الكتب فنحن نستانس به، لكنه لا يُقدّم ولا يؤخّر، والبحث الحقيقي يجب أن يبدأ من العصر الحديث، ثم ما بعده، حتى نصل إلى نقطة البداية.
مثال: تاريخ عنزة مدوّن تقريبًا إلى سنة 900 هـ، والمفروض أن يبدأ الباحث من سنة 900 هـ إلى 500 هـ، ولا يكون بحثه مبنيًا على الاحتمالات والظنون؛ لأنني أستطيع أن أضع ألف احتمال في أي قصة، ولكنها لا تغني من الأمر شيئًا.
بل لا بد أن يكون البحث بوثائق معتبرة، وخط مكتوب، ومحفوظ، وغير مشبوه. هكذا يبنى التاريخ.
أما من يقفز ولا يسير بتدرج، فإن الصرح الذي يبنيه يكون في الهواء؛ لأنه تجاوز قرونًا وقفز إلى العهد الجاهلي أو العهد الإسلامي الأول.
والصحيح أن نكتفي بما توارثناه، ولا نصنع تاريخًا موازيًا لا يعرفه أحد من أجدادنا.
وسلام