من المغالطات في العصر أن يقوم قزم من الأقزام و يعتدي على العلماء الكبار و يرميهم بما ليس فيهم أو يخلط علما بآخر بغية الحط منه و التقليل من شأنه من أجل يُثبت مقالته الهشة الضعيفة أمام التراث المكتوب المتواتر و اذا قيل علم النسب و النسابة فأن أول ما يتبادر إلى ذهن المثقف الدارس لهذا العلم العلامة ابن الكلبي الذي كتب كتابه المشهور "الجمهرة في النسب" و اعتمد عليه كل من جاء بعده من النسابة و اهل الحديث في اثبات الإنساب
فنجد كل المؤلفين في هذا العلم ينقلون عنه و هم عالة عليه و نأسف أن يأتي في هذا الدهر من يرفض قوله في النسب كما رأينا من بعض الجهلة الذين ردوا على نسابة عنزة و ربيعة عامة ابن عبار الفدعاني في وائلية عنزة وهو موضوع قد افاض فيه ابن عبار في المنتدى و بينه احسن بيان

فجاء هذا الجاهل و قال أن ابن الكلبي غير موثوق به في دينه حيثُ أنه ينتحل الرفض و أنه مضعف عند علماء أهل الحديث و ما يدري هذا الجاهل صنعة العلماء فهو يهرف بما لا يعرف و جمع مما شأنه التفرق و فرّق مما شأنه الجمع

ابن الكلبي ضعيف مجروح في الرواية و الحديث وهذا قولُ اكثر العلماء و لكنه عمدة في النسب معدلُ فيه ثقة ...

و بعض من لا يفرق لا يفهم كيف يكون العالم موثوق فيه في نقل بعض العلوم و يتهم في نقل علم آخر

فهو عمدة في النسب لأنه تخصص فيه و اقبل عليه كل الإقبال و أفرغ جل وقته فيه فأخذ من رواة الأنساب الثقات من القبائل انفسها فقد أخذ نسب ربيعة مثلا من أبيه و من اسماعيل بن خراش العجلي من بكر بن وائل وهو نسابة ربيعة في وقته فأخذ عنه بيوتها و انسابها و أخبارها و صنف عليه التصانيف " انظر كتاب الفهرست لابن النديم"ص124

فهو لم يأتِ بالنسب من كيسه و لم يأتِ بوائل هزان من الهواء فنسب عنزة غير مجهول اصلا و يعرفه العامة عن العامة و ليس مخصوص في آحاد الناس حتى يخترع النسب و يكتب كتابه الذي انتشر في الآفاق و لا نجد من يستدرك عليه من ربيعة !! حتى يأتي في هذا الزمن جهول عريض القفا و يشكك فيه و يتهمه

اما في يالحلال و الحرام فأن العلماء يتشددون في الرواية فيه و هذا ابن الكلبي لم يكن من الفقهاء المعتنين بالسنن و الأحكام فهو صاحب تاريخ و أسمار و نسب ومن طالع عناوين كتبه التي سردها ابن النديم عرف ذلك و تيقنه

فإذا روى في الحلال و الحرام فلا يؤخذ منه و لا يقبل لأنه ليس من شأنه و يخلط فيه و يأتي بالوهم و يدخل فيه الهوى المذهبي فهو يترفض أم النسب فلا مدخل للمذهب فيه وهذا واضح لكل ذي عينين

لذلك قال الحافظ يحيى بن معين عنه
: «غير ثقة، وليس عن مثله يُروى الحديث» وفي رواية: «ليس بشيء»«لسان الميزان» (8/339)

، و عندما سأله الحافظ الجنيد: «كان الكلبي هشام ثقة؟ قال: كان من أعلم الناس بالنسب»«سؤالات أبي إسحاق إبراهيم الجنيد»ص179
نرى أنه فقد عدله في النسب و ضعّفه في الأحاديث التي يأخذ منها الحلال و الحرام لأن النسب تخصصه
و قال ابن الأثير
"هشام الكلبي، أشهر علماء النسب وأحفظهم له، وأقلهم وهمًا"«اللباب في تهذيب الأنساب» (1/12).
و قال المؤرخ ياقوت الحموي(ت626هـ) : «لله در هشام بن محمد الكلبي، ما تنازع العلماء في شيء من أمور العرب، إلا وكان قولُه أقوى حجةً، وهو مع ذلك مظلوم، وبالقوارص مكلوم»«معجم البلدان» (2/188).
وهذا ابن حزم الأندلسي المعروف تشدده في أخذ الروايات فقد ضعّف بعض الثقات في الحديث و خالفه اكثر علماء الحديث و عندما ألف في النسب كتاب " جمهرة انساب العرب" لم يجد بدا في الاعتماد على ابن الكلبي فأن علماء الحديث قد يضعفون روايا في علم و ياخذون منه علما آخر
مثل عاصم ابن ابي النجود فان المصحف المطبوع في السعودية من روايته و لكنه ضعيف عند أهل الحديث !!
لماذا لأن عاصم مختصص في القراءة و عالم من علمائها فتقبل قراءته و لكنه لم يكن في الاحاديث بنفس جودته في القراءة

مثل ابن ابي ليلي الفقيه الكبير ضعيف في الحديث و لكن قوله في الفقه معتبر
ومثل ابي حنيفة ضعفه بعض العلماء في الحديث و لكن قوله في الفقه معتبر و لأنه تخصص فيه و جلعه شأنه و صرف له جل وقته


و لا يرمى هولاء بالكذب فليس كل متروك في الحديث كذابا ... فقد يهم و يرفع الموقوف و يصل المقطوع و يكثر غلطه في النقل فلا يوثق به

ومن هنا يتبين لك تفاهة ما قال هذا فقد أتى بما لا يعرفه الناس و اهل العلم