عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-2011, 11:53 PM   #29
مؤرخ قبائل السلقا
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 1,131
افتراضي

[ حول المسلسل التلفزيوني ]

أربعون حلقة تلفزيونية صاغها المؤلف الشاعر السورى ممدوح عدوان والمخرج حاتم على لتقديم حرب البسوس فى مسلسل عُرض قبل عام مضى وحاز نجاحا جماهريا اعاد الإهتمام الشعبى بهذه الحرب ومن تابع المسلسل يجد أن المؤلف اعتمد على ثلاثة مصادر رئيسية فى تقديم نصه المكتوب عن الحرب وهى أولا: الرواية التاريخية ويلاحظ المتابع أن المؤلف قد استفاد من كل سطر ورد فى المراجع الأساسية للحكاية فلم يهمل أي رواية بل أنه أخذ الرواية المتضاربة أحيانا ووظفها فى مشاهد المسلسل كالروايتين المختلفتين لمقتل جساس والمهلهل ثانيا: لم يهمل المؤلف السيرة الشعبية فأخذ معظم حوادثها وإن تخلَص من مبالغاتها وتعارضها أحيانا مع الرواية التاريخية بعمليات جراحية توفيقية يحسد عليها وأعطى السيرة مساحة واسعة من المسلسل دون أن يجعلها تصبغ السياق العام له بإستثناء حكاية التبع اليمانى التى أعطاها حيزا كبيرا من مساحة الحلقات الأولى من المسلسل ثالثا: إعتمد فى موهبته كمؤلف وشاعر فى توليد مواقف جديدة وعلاقات جديدة وتقديم تفسيرات موضوعية لبعض الأحداث بل وأعطى الحوارات لغة راقية فيها من الشعر الأثر الواضح وأعتقد أن المسلسل حاز نجاحا جماهيريا كبيرا للدرجة التى سمعنا فيها أخبارا عن تعرض بعض المشاهدين لأزمات قلبية تأثرا ببعض الأحداث وحدوث خلاف عشائرى فى سوريا تحول الى نزاع مسلح بسبب تفسير الأحداث وماهذا إلا لإسباب كثيرة من أهمها
- الجاذبية الأخاذة الى تحملها حكاية الحرب فى الأساس والطابع الإنسانى التى اصطبغت به والمتمثل فى بحث أخ عن ثأر أخيه المقتول ظلما والنسج الخيالى المتقن التى صيغت به أحداث المسلسل بالإعتماد على المصادر الثلاثة السابق ذكرها.
- حجم الإنتاج الكبير التى تمثل فى الصرف السخى على المسلسل من ممثلين وتقنيات إنتاج ومجاميع بشرية وإمكانيات مشهدية غنية فى إطار رغبة صادقة فى تصوير واقعى للمجتمع الجاهلى رغم البهارات التى لايمكن للأعمال التلفزيونية إهمالها فى الغالب.
– لغة المسلسل الراقية حتى أن نصوصا كثيرة من الحوار كانت تُعد قطعا أدبية جيدة سواء المنقولة أصلا من الروايات التاريخية أو تلك التى أضافها المؤلف الذى هو فى الأساس شاعر وأديب مبدع .
وفى مايلى نعرض مختصراَ لأحداث المسلسل من واقع المشاهدة الشخصية لحلقاته وذلك ليتمكن القارىء الذى لم يتابع المسلسل من معايشة النسيج الكلي للعمل وبالتالى يمكنه إجراء المقارنة المتوخاة بين ماجاء فيه وبين ماجاء فى الأساس التارسخى أوالشعبى للحرب وبالطبع فإن اختصار أربعين حلقة ومئات المشاهد التلفزيونية فى بضع وريقات من هذا الكتاب لن يخلو فى النهاية من ظلم فادح للعمل ولكن من لايدرك جله لايترك كله.

[ مختصر احداث المسلسل ]

يبدا المسلسل بتوافق وائل بن ربيعة كليب فيما بعد مع عمه مرة وأولاده وحبه لأبنة عمه الجليلة ويظهر طموح وائل للزعامة فى الحلقات الاولى عندما يضَيق صهرهم لبيد عامل الكنديين عليهم فى أخذ الضريبة السنوية المطلوبة لملك كندة وكذلك المضريين فى إحدى سنوات الجدب وعندما يقوم لبيد بلطم زوجته الزهراء أخت وائل يقود الأخير قومه من تغلبيين وبكريين فيقتلون لبيداَ الأمر الذى يغضب ملك كندة عليهم إلا انه يتريث فى الإنتقام منهم وعندما يستعد وائل للزواج من الجليلة تقوم البسوس خالة جساس بن مرة وهى تاجرة تسافر بين الشام واليمن بترغيب التبع حسان اليمانى بالزواج من الجليلة طمعا فى ان تكون خالة الملكة القادمة بالإضافة الى طموحها الشخصى بالزواج من الوزير نبهان المرشح للعرش من بعد تبع, ياتى الوزير نبهان لخطبة الجليلة لمليكة التبع وتدور الأحداث كما ترويها السيرة فى الغالب من تنكر وائل فى صورة مهرج الجليلة وإخفاء الفرسان فى الصناديق بعد تخفيف المبالغات النى تكتنفها, ويقتل وائل التبع وهو فى مخدع الجليلة بعد مبارزة بينهما كما يقتل الوزير نبهان أيضا فى نفس الليلة وعندما يلحق بهم إبن عم التبع المدعو عمران تدور معركة خزازى التى تنتهى بإنتصار وائل وتمليكه على العرب .
يتزوج وائل من الجليلة ويبدأ فى مشروع حضارى لتنظيم القبائل ومنع الغزوات والصيد وحماية القوافل مما يوَلد كراهية جساس له بالإضافة الى تكبرْ وائل الذى صار يدْعى الاَن كليباَ على قومه, يظهر حقد البسوس على كليب لقتله الوزير نبهان التى كانت تطمح بالزواج منه فتتخذ من قتل كليب ناقتا سراب للأسباب المذكورة تاريخياَ حجةَ لتحريض جساس على قتل كليب, يلحق جساس بكليب فيطعنه فى ظهره بعد أن رفض مناقشته ويكتب الأخير بدمه على صخرة فى الجبل جملةلاتصالح وهو بذلك يوجهها لأخيه المهلهل الزير سالم الغارق فى ملذاته من خمر ونساء وينشغل الزير بالبكاء على قبر أخيه حتى ييأس قومه منه فيكسرون رماحهم ويعقرون خيولهم أمامه وعندما يصحوا المهلهل فيُشمر عن ساعديه للحرب ويبدأ بشن الحرب على البكريين رافضاَ محاولات الصلح متخذاَ من مقولة ابنة اخيه اليمامة بنت كليب أريد ابى حياَ شعارا يحمسه لمواصلة الحرب.
تطول أيام الحرب ويفتك الزير بالبكريين رغم فشل محاولاته لقتل جساس ومكحاولة أبى نويرة التغلبى الذى كان قتْل جساس هو المهر الذى طلبته محبوبته الزهراء أخت الزير لزواجه منها ويتمكن البكريون من جرح الزير فى إحدى المعارك بعد كمين نصبوه له بإيقاعه فى الحفرة وتقوم اليمامة بقذفه فى البحر على ألواح من الخشب بينما تقوم ضباع أخت المهلهل وهى زوجة همام بن مرة بمساعدة الجليلة بحرق جثة أحد القتلى والزع بانها جثة الزير, تُلقى الأمواج الزير على ديار قوم غريبي الهيئة فاقداَ للذاكرة فيعطفون عليه ويطلقون عليه إسم تمساح ويظل بينهم مستضعفاَ حتى تعود اليه الذاكرة بعد سبع سنوات خلال قتال مع لصوص هجموا على مستضفيه حتى يثأر الزير لصالحهم أثناء القتال وتعود اليه الذاكرة وبعد أن يتذكر حقيقته يعود الزير الى قومه .
كان جساس قد إستضعف نساء تغلب بعد ذهاب الزير فمنعهن من إشعال النار وإعداد الطعام واستقبال الضيوف وتصادف عودة الزير يوم تزويجه ابنته من الهجرس بن كليب الذى كان يعيش بينهم وقد اخبروه بنه ابن لشاليش بن مرة وان الجليلة التى قامت بتربيته ههى عمته وليست أمه, يحضر الزير العرس متنكرا فيلتقى بجساس دون ان يعرفه ويقوم بإستعادة حصانه الموجود عند البكريين ويعلن عودته بصرخة عالية وتبيت نساء تغلب تلك الليلة فى فرح عام , تعود الحرب مرة ثانية ويرجع الزير لإلحاق الهزائم بأعدائه بمساعدة صديقه إمرىء القيس بن ابان وصهره كلثوم التغلبى وخلال هذه الفترة يعرف الهجرس حقيقته نسبه فينضم الى أهله ويتمكن من قتل خاله جساس فى مبارزة ويقرر بذلك إنتهاء حربه إلا أن الزير يصمم على إكمال الحرب فيقوم بقتل رسول للصلح هو جبير بن الحارث بن عباد أرسله أبوه الذى قد كان إعتزل الحرب مما يُشعل الحرب يإنضمام الحارث وقومه, وكان جبير هذا على علاقة حب باليمامة بنت كليب التى تُصدم بقتله على هذه الطريقة فتصاب بالجنون وتظل عل حالتها حتى نهاية المسلسل .
تحدث معركة تحلاق اللمم كما وردت فى الرواية التاريخية فتُجز ناصية الزير ويُصاب بالذل واكسار الظهر حيث يظل مكسور الظهر يسوق حماره حتى مقتله! وهنا تتسارع أحداث المسلسل فيرحل الزير الى اليمن ويُزوج ابنته هناك مرغماَ ثم يعود فيأسره عمرو البكرى ويذله وعندما يُشبب الزير بزوجة اَسره يمنعه الأخير من الشراب حتى يرد الجمل كما هو مذكور فى الروايات التاريخية وعندما يتم انقاذ الزير من الموت عطشا فى اللحظة الأخيرة يعود الى قومه, يرحل الزير هو وعبداه فيقرران قتله فى الصحراء وتحدث الرواية القائلة بقتله وبيتي الشعر اللذين أخبر بقاتليه من خلالهما ثم يكون المشهد الأخير فى المسلسل حيث تذهب اليمامة الى حيث جثة عمها فتحمله عل ألواح الخشب وتربطه بحصان وتذهب به بعيدا فى الصحراء.

[ إنطباعات حول المسلسل ]

أحالول فى السطور القادمة إعطاء قراءة إنطباعية مختصرة عن المسلسل قد لاتكون نقداَ متخصصاَ فى العمل ولكنها مجرد ملاحظات أحاول من حلالها إستنطاق مشاهداتى للمسلسل فى النقاط الأتية :
[ الاحداث ]
بدا واضحاَ أن المسلسل اعتمد الرواية التاريخية كخامة أساسية لنسج الأحداث ولكنه وظف السيرة لملء الفراغات وتبهير الأحداث إن صحت العبارة فاستفاد من السيرة حكاية التبع بعد تهذيب الطابع الخرافى الذى اتسمت به السيرة وكذلك أخذ شيئاَ من حكاية غياب الزير لدى اليهود فغير فيها كثيراَ لدرجة أنه الف منها حكاية مغايرة ربما لجعلها أكثر موافقة لطبيعة الفترة التاريخية إضافة الى رغبته فى الابتعاد عن إشكالية جعل الزير مناضراَ لليهود وهو المر الذى لاتتقبله الذائقة العربية فى ظل الظروف السياسية الراهنة إلا أنه المح لطبيعة القوم الذين أقام بينهم الزير فى غيبته من خلال الملابس والأسماء وربما لظروف الدراما العربية المائلة لحكايات العشق و الغرام فقد قام المؤلف ممدوح عدوان بنسج قصص حب لم تعرفها الرواية التارخية والسيرة الشعبية على حد سواء وذلك فى تأليف قصة حب بين أبى نويرة والزهراء شقيقة الزير وقصة الحب الدامية بين اليمامة وبجير بن الحارث أو جبير كما ورد فى المسلسل كما اعطى أبعاداَ لدوافع البسوس المرأة لاتطابق ماورد فى الرواية التاريخية والسيرة ويلاحظ هنا أن المؤلف حاول اللإستفادة من الروايات المختلفة لنهاية الزير ومقتل جساس فى المسلسل ليعطى زخماَ أكبر لأحداث المسلسل ويلاحظ هنا أيضاَ أن المسلسل أدخل صوت الراوى الشعبى ورسومات فلكلورية لشرح بعض الأحداث التى قد لايستسيغها المنطق فى رغبة واضحة للمزاوجة بين ماهو تاريخى وماهو إسطورى داخل ثنايا المسلسل .
[ الشخصيات ]
إلتزم المؤلف بغالب الشخصيات التى وردت فى الرواية التاريخية وانتقى مايهمه من شخصيات السيرة كما أضاف شخثصيات لاوجود لها فى السيرة أوالروايات التاريخية لتدعيم سياق الأحداث كشخصيات نساء الحانة التى يتردد عليها الزير وسعدل التاجر المنافس للبسوس وأخوال جساس كما أنه ضخَم أدوار بعض الشخصيات التى لم يكن لها ذكر بهذا الحجم فى الحقيقة مثل إمرىء القيس بن أبان الذى حوله المسلسل الى تاجر تغلبى وراع لشئون القبيلة فى غياب الزير ومموِل إقتصادى للجزء الأخير من الحرب, والمر نفسه ينطبق على أبى نويرة التغلبى الذى تحول الى عاشق للزهراء أخت كليب والحارث بن عبَاد الذى فجَر المؤلف من خلال شخصيته مفارقات كثيرة أعطته مايستحقه كشخصية حكيمة التزمت الحياد ثم فلبت الموازين حينما استثيرت .
[ الأسماء ]
التزم المؤلف بغالب الأسماء للشخصيات والمواقع سواء تلك وردت فى الرواية التاريخية أو السيرة الشعبية وزواج فيما بينها إلا فيما يتعلق بتغيرات قليلة أوضحها تغييره لإسم بجير بن الحارث الى جبير ربما لجعله أكثر ألفه فى الأسماع ولاأرى أن ذلك كان ضرورياَ إذ ان فى المسلسل أسماء أكثر غرابة من بجير؟ كما أنه إعتمد اسم سالم للزير وهو الإسم الذى لم يردْ مطلقاَ فى الرواية التاريخية! وهو من إضافات السيرة الشعبية وكذلك إسم سعاد للبسوس وهو من إضافات السيرة أيضا كما انه استخدم أسماء كثيرة لشخصيات عابرة فى المسلسل ولَدها لخدمة النص وهو يستوحى هذه الأسماء من طبيعة العصر الجاهلى والأعلام المشهورين فيه.
[ الديكور والملابس]
من إبداعات المسلسل طبيعة المبانى والأجواء النى صُور خلالها المسلسل إذ انها توحي بفخامة الإنتاج وإن كان المخرج قد سعى الى تصوير حياة أبطال الحكاية فى بيوت طينية هى أشبه بالقلاع النجدية مع الزخرفات والألوان بينما جعل الخيام وبيوت الشعر مساكن للفقراء فى المسلسل ولم يرد فى الروايات التاريخية مايفيد بهذه الحياة الحضرية إذ أن تغلب وبكر كانا من القبائل البدوية ولكن هذا الإبهار فى المبانى يحسب للمسلسل خاصة مع الرغبة الحماسية لتصوير حضارة العرب قبل الإسلام ويُشار هنا الى أن المسلسل تأثربالصوة؟ النمطية مجالس الخلفاء التى تظهرها المسلسلات التاريخية فى تصوير مجلس كليب ومن بعده مجلس الزير وجساس إلا أنه قدم صوراَ مبهرة للمشاهد بغض النظر عن واقعيتها لحياة الصحراء وطقوس الصيد والرعى والقتال كما نفذ مشاهد قتالية رائعة ولم ينس الإبهار فى الإضاءة وإشعال النار والأعراس وحانات اللهو وطريقة طهي الطعام وغير ذلكاما فيما يتعلق بالملابس فالمسلسل تأثر بحكاية القلائد والمجوهرات التى يرتديها سادة الجاهلية وهى تخيلات المسلسلات التاريخية أيضَا ولكن على العموم لم تكن الملابس فنتازية الطابع إلا فى حالات بسيطة وفق المسلسل فى تقديم ملابس النساء عل وجه الخصوص فكالنت فى الغالب بسيطة وشبيهة بملابس البدويات فى عصور البداوة الأخيرة مما أعكى صورة واقعية فى ذهن المشاهد.

[ إنتهــــــــى ]
ابو مشاري الرفدي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس