الأنساب ليست حكرا على فئة دون أخرى -
مرت الجزيرة العربية. في الماضي بفترات طويلة ، وقرون متعاقبة من الفوضى والإضطراب . عمت فيها الفتن والقلاقل ، والنهب والسلب ، وضرب الجوع ، والفقر ، والمرض . أطنابه في ربوعها ، وأكل فيها القوي الضعيف ، فتمزقت الأسر والقبائل ،وتشتت أمرها .. ولاذ الكثيرون منهم زرافاتا ووحدانا . من مكان إلى مكان ، ومن بلد إلى بلد آخر .. لايطلبون أكثر من السلامة ، ولقمة العيش . وقد اضطرت هذه الأحوال البائسة الكثيرمن الناس إلى الإنفلات من تقاليد القبيلة المرعية في أمور عديدة منها عدم تحريم الصناعة ، والتسامح في مسألة المصاهرة .. الخ
إستمرت هذه الأوضاع السيئة لحقب طويلة . حتى أنعم الله على هذه الجزيرة ، وبلادنا خاصة بهذه القيادة التي وحدت الشمل ، ووطدت الأمن ،وأجرى الله على يديها الخيرات ، والنهضة في شتى المجالات .. فكان أن عاد الناس إلى بلدانهم ، والتفتوا إلى شؤونهم وشجونهم ، وتراثهم وآثارهم ، ومناشئهم وأنسابهم ، فوجد الكثير منهم أنفسهم وقد تقطعت بهم الأسباب ، بعد أن تهاونوا في أمرهم ، ونسوا أو تناسوا مع تعاقب الأزمان أصولهم والأنساب .. والتي غايتها في الدين التعارف . وكما قال تعالى ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير ) الحجرات 13
وغايتها الأخرى . التواصل . وكما قال – ص – ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ) . فبعلم الأنساب . يعرف أصحاب المواريث ، ويعلم أهل الحقوق والواجبات ، وتوصل الأرحام . وهذه أهداف وغايات علم النسب . لاالتنابز والتفاخر . فالأصل واحد .
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة مسألة الطعن في الأنساب ، ومحاولة البعض هداهم الله . التشكيك في أنساب كثير من الأسر . بدون بينة أو برهان ، أوأثارة من علم .. لايدفعهم في ذلك إلا الجاهلية الجهلاء ، والعصبية العمياء ، التي أخبرنا نبينا – ص – بأنه يبقى في هذه الأمة شيء من صفاتها ، ومنها الطعن في الأنساب .
ومن هنا فإنه يجب على كل أسرة من أسر هذه البلاد تعلم من نسبها مالا يعلمه غيرها .. أن تصدع بذلك ، ولاتخشى فيه لومة لائم ، فقد حذر النبي – ص – الإنسان من التبرؤ من نسبه . قال – ص – ( كفر بالمرء تبرؤ من نسبه ، وإن دق ..) رواه أحمد والطبري . عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
كما أن تهاون هذه الأسر في ذكر أنسابها ، أو الرجوع إلى قبائلها وآبائها .. أمر منهي عنه ، وسكوتها عن ذلك بمثابة الإنتساب إلى غير الآباء ، والرضى به .. قال الله تعالى
( أدعوهم لآبائهم .. ) وقال – ص – ( من ادعى إلى غير أبيه ، وهو يعلم أنه غير أبيه ، فالجنة عليه حرام ) رواه البخاري عن سعد بن أبي وقاص .
لذا فإنه يجب على تلك الأسر شرعا أن تفصح عن أنسابها ، وأن ترجع إلى آبائها ، وألا تلتفت إلى أولئك المثبطين ، أو أن ترفع بهم رأسا ..
كما أحب أن أوضح هنا أن المسألة ليست مسألة تزاوج أو مصاهرة ، وكما يحاول البعض أن يعزف على هذا الوتر ، فكل في هذا الموضوع حر في نفسه . فضلا عن أن هذا المبدأ قد انهاربتصاهر الجميع مع مختلف الأعراق في وقتنا الحاضر . المسألة أنساب لاتضيع ، وأرحام لاتقطع ، وحق يجب أن يحق ..
إن تزايد الإهتمام لدى الكثير من الأسر المشار إليها في العقود الأخيرة بأنسابها . وذلك بتدوينها ، وحفظها ، وتوثيقها .. لأمر يبعث على الإطمئنان ، وإني لآمل أن يتفرغ أحد الباحثين لتأليف كتاب متكامل عن هذه الأنساب . لتوثيقها ، وليكون مرجعا للمعنيين والمهتمين .. يضاف إلى مكتبة الأنساب في هذه البلاد .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
وكتبــه
حمود بن عبد العزيز بن ناصر المزيني
المجمعة .
في 15/9/1429هـ
وامتدادا لهذا الموضوع فإنني أقول وبالله التوفيق :
لقد كان أول من بدأالتأليف في علم الأنساب من المتأخرين في بلادنا . الشيخان / حمد الجاسر . في كتابيه معجم القبائل العربية ، وجمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد .. وحمد الحقيل . في كتابه كنز الأنساب ..
وقد ألفا كتبهما على تخوف وتحوط .. كونهما أول من ولج هذا الباب في عصرنا من أهل نجد . تخوفا من ردود الأفعال .. فبا لإضافة إلى أن مؤلفاتهم حول أنساب الأسر . تدور حول الأسر النجدية وماحولها ، فإنهما قد اخترعا منهجا يسيران عليه يتصادم مع التعاليم الإسلامية والنهج النبوي الذي يقول ( إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ..) فاشترطوا المصاهرة لإثبات النسب في مؤلفاتهم . بمعنى أن أي أسرة قبلية صاهرت أسر غير معروفة النسب . فإنهم يستبعدونها من كتبهم ..؟؟!!!!
وهذا بلاشك قول جاهلي صرف ، وعنصرية ما أنزل الله بها من سلطان .. وقد رأوا سوء صنيعهم هذا قبل أن يفارقوا الحياة رحمهم الله . وذلك بعد النفتاح هذه البلاد على العالم في العقود المتأخرة .. حيث تصاهرت جميع الأسر التي دونوا أسمائها . بغير العرب .. تزاوجت مع أسر الهند والسند ، ومع مختلف الأجناس أصفرها وأبيضها وأحمرها .. وقد تنبه لهذا الشيخ حمد الجاسر. فأراد استدراك ذلك بمؤلف إضافي لجمهرة أنساب الأسر المتحضرة يضيف فيه تلك الأسر ، ولكن الموت عاجله ..
لقدقمت بتدوبن أنساب العديد من الأسر النجدية التي لم تذكر في مؤلفاتهم . بينما ذكرت أنسابها في مؤلفات قبائلها ، أو في ما ألف من مؤلفات أخرى . أو في مشجراتها التي صادقت عليها قبائلها .. وكذلك من ما نشرت تلك الأسر عن أنسابها في مجلة العرب وغيرها ، وكذلك يالرجوع إلى أعيان تلك الأسر وكبارها ، وهم أدرى بأنسابهم ..
وقد نشرت أنساب تلك الأسر في بعض المواقع . مثل أنساب أون لاين وغيرها . وعليه فإنني سأورد أنساب تلك الأسر هنا للفائدة ..
هذه الأسر التي سأتطرق إلى أنسابها هنا أسر قبيلية تحضرت وافترقت عن قبائلهافي الماضي .. بسبب عدم التزامها بعاداتها . أوسلومها . وخاصة في مسألتين أشرت إليهما في مقال لي في جريدة الوطن حول هذا الموضوع وهما :
الأولى : مسألة الزواج .حيث يطبقون فيه النهج الإسلامي الذي يستند على قول النبي - ص - (إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادكبير )
الثانية : عدم تحريم الصناعة .. وقدرأينا ماجناه علينا هذا التقليد .. إذ أصبحنا في ذيل الأمم .. في حين أصبحت الأمم التي تحترم الصناعة تمسك بخناق العالم .. وقد لحقت بهم في هذه المسألة بقية الأسر القبلية في الوقت الحاضر . حيث عمل أبناؤهم في الصناعة ، وتزاوجوا مع غير القبليين بل مع غير العرب ..